الجدار القبيح

456

وقفت ترسم أحلامها على الجدران، وقفت ببراءة ترسم خطوط الماضي والحاضر والمستقبل، بدأت من سور مدخل المدينة لترسم نهر الحياة بمنبعه الضيق. تتبعتها الخلائق، وبحثوا عنها كثيرًا، لكنها كانت ترسم في الخفاء، فيستيقظ أهل المدينة باكرًا ليروا أي جدار قديم وقع عليه الاختيار ليكون تحفة فنية، ورسالة لأهل المدينة، ومزارًا سياحيًا في المستقبل.

سماها الناس الفراشة، نسبة إلى أولى كلماتها التي كتبتها تحت أول رسمة بدأتها عند مدخل المدينة، “خلقت بأجنحة جميلة، ولكنكم لم تخلقوا هكذا، فوهبتكم بعضًا من جمالي على جدرانكم.. فتذكروني أنا الفراشة”. لهذا ظل أهل المدينة يبحثون دائمًا عن أثر الفراشة الجديد، لكنهم حين ينظرون فنها لا يبصرون تفاصيله، فقط يتأملون جماله ويقولون هذا بعض جمالها، فكيف هي؟!

زاد الشوق إلى رؤياها، واقتحام حياتها، فأقاموا فريقًا للبحث عنها، وتتبعوا أثرها، وكادت بعض محاولاتهم أن تجدي، ولكن استوقفهم ذلك الجدار الأسود المزركش ببعض البقع الحمراء وتظهر فيه أنيابٌ شرسة، وضحايا، ورسالة صغيرة “لماذا تؤذون الفراشة؟”. ثار أهل المدينة عندما رأوا هذا الجدار القبيح، وطلبوا من فريق البحث أن يتوقفوا ويتركوها تزيّن المدينة في هدوء.. لكنهم أصروا على البحث عنها، فأخذت تشوّه جدرانهم، وتطلب منهم أن يتركوها وشأنها.

اجتمع أهل المدينة على أن يجرّموا أي شخص يخرج من بيته ليلًا، حتى يتركوا مساحة للفراشة أن تعود وتكمل ما بدأته، فوقفوا على أسطح بيوتهم ليراقبوا الطرقات.. حتى رأوا أحدهم يتحرك في الخفاء، فصرخ في جيرانه كي يساعدوه للإمساك بهذا الشخص الغريب الملثّم.. ولما ارتبك وحاول الجري، قذفوه بسهم حتى سقط على الأرض، ورفعوا عنه غطاء وجهه فوجدوا أنها فتاة، أخبرتهم في صوت متهدج:

“أخبرتكم أن تتركوا الفراشة.. لكنكم لم تفهموا أبدًا أن الله قد اختار لكم.. وها أنتم اخترتم”.

المقالة السابقةأنا والتفاصيل وهواك
المقالة القادمة7 اتهامات لو هتودي بنتك الحضانة

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا