يوميات أم في زمن الكورونا

1330

“منظمة الصحة العالمية تعلن تصنيف الكورونا (كوفيد-19) وباءً عالميًا”. لست قادرة بعد على استيعاب الأحداث. أشعر أنني أعيش في فيلم خيال علمي. ما أضعف الإنسان! وما أعجزه! كائن أصغر من حبة السكر يحبس أبناء الكوكب في البيوت فزعين. أيامي تصير متشابهة، بينما يستمر الكوكب في الدوران غير آبهٍ بما يحدث على سطحه. الشمس تشرق وتغرب. القمر يبدأ صغيرًا ويكبر رويدًا رويدًا، ثم يتناقص ثانية رويدًا رويدًا. 

صراعات الأمومة في زمن الكورونا

أقضي أيامي بين جدران منزلي. بيتي نعمة كبيرة، فكم منا لا كافٍ له ولا مأوى. يوقظني صغاري في الصباح الباكر. أكره أنني أستيقظ يوميًا في ميعاد يحدده غيري، ابني الأصغر. أتمنى لو آخذ وقتي على الفراش حتى أفيق وأبدأ يومي بهدوء وبطء. ولكني أبدأه بتغيير الحفاضة الملوثة بالبراز. أهرع بعدها إلى المطبخ كي أعد الشاي باللبن. أحتسي كوبي بينما أتشاجر معه على كيس البقسماط الذي يريد أن يستحوذ عليه بالكامل. أحيانًا أتخفي منه لأتناول مشروبي وأنا أختلس بضع دقائق من الهدوء في بداية اليوم. 

تستيقظ ابنتي وزوجي، ويمتلئ المنزل دفئًا وونسًا بالأنفاس والأصوات. هي نعمة عظيمة من الله. أحتاج للخلوة بعض الوقت. وهذا صعب في وجود الصغار 24 ساعة بالمنزل. في عصر الكورونا “كوفيد-19″ يومنا مليء بـ”كفاية موبايل، إنتم قاعدين من الصبح، عندكم لعب كتير العبوا بيها، زهقت من اللعب يا ماما”. لا أرغب في تركهما للشاشات. وفي نفس الوقت، أرغب في إنهاء المهام المنزلية بسلاسة والتمتع باحتساء الكابوتشينو بينما أشتغل التريكو أو أشاهد فيلمًا. صحيح أنني أشاهده متقطعًا على اليوم بأكمله، ولكنني أستمتع على أي حال.

ليالي الكورونا

في بعض الأيام تكون أكبر إنجازاتي النهوض من الفراش وإعداد الطعام وغسل الملابس. يراودني التساؤل لماذا خلقني الله، ويثقلني التمني بأن أصير عدمًا. في بعض الصباحات أتعجل الليل لأنام. وعندما يحين وقت النوم، أشعر وكأن فيلاً يجثم برجله الضخمة على صدري. أتمنى أن يتلبسني النوم فورًا ولا يرد الله لي الروح إلا عندما تشرق الشمس.

المفارقة أنك كلما طلبت النوم فر منك وتعزز عليك. أتوسل إليه كي يواتيني ولكن تحول الأفكار بيني وبينه: هل سيصيبني الكورونا اللعين أو يصيب أحدًا من أحبتي؟ هل سنعرف؟ هل سنشفى؟ متى سينحسر الوباء؟ كم شخصًا سيفقد أحبته؟ هل ستنفد السلع من المتاجر؟ هل يبالغ “كوفيد-19” في فرض سطوته لنمكث جميعًا في البيوت؟ كيف سنعمل؟ من أين سنأكل؟ هل يمكن أن يأتي يوم تكتسي فيه الشوارع بالوحشة والظلام؟

اقرئي أيضًا: شكرًا يا الله.. لأنك الله

لست أمًا مثالية

تساؤلات ومخاوف لو تركت لها العنان لفتكت برأسي. ووجود ابنيَّ بالمنزل طوال الوقت يمثل عبئًا إضافيًا. أحيانًا أتمنى لو لم أكن أمًا. ربما كان خوفي يقل، وكان شعوري بالذنب يتضاءل، وكانت همومي ستهون. أشعر بالذنب بعض الشيء لتلك الأفكار والمشاعر. قد يسيء البعض فهمي. فقط أنا سئمت لعب دور الأم المثالية التي تحلق حولها الفراشات طوال الوقت، وتلزم نفسها بمعايير خيالية ولا آدمية. سئمت دور الأم المثالية التي تتحلى بالهدوء الزائف مهما فعل الصغار. سئمت دور الأم المثالية التي تعرف التصرف المناسب لكل موقف دون حيرة أو شك.

ابناي هما محور حياتي وأثمن ما منحني الله. أحبهما وأقدرهما لدرجة أنني أحيانًا أشعر أنهما يستحقان أمًا أفضل. ألعب معهما، أشاهدهما يضحكان ويصيحان صيحات طفولية ويلعبان، فتقر عيني. وبعدها بقليل أتشاجر معهما وأصيح فيهما، ثم أحضنهما وأقبلهما. أستغرق في رعايتهما واللعب معهما ثم أتسلل منهما لألتقط أنفاسي.

أذكر نفسي يوميًا أننا في ظرف استثنائي، فقد أُعلِن الكورونا “كوفيد-19” وباءً عالميًا. أحاول عدم تحميل نفسي فوق طاقتها. أستغل مكوثنا بالمنزل في إشراكهما في المهام التي لا تسمح الأيام العادية بالتركيز عليها، كنشر الغسيل، وإعداد السندوتشات، وغسل الأواني. أتخير الأوقات التي يكون لدي طاقة فيها لذلك، حتى لا أضرهما من حيث أبغي نفعهما.

بداخلي شخصيتان: قلقة ومطمئنة

أذهب لشراء أغراض المنزل. ومع كل شيء تمسه أصابعي أفكر: هل قفز فيروس الكورونا الخفي إلى يدي أو ملابسي؟ هل أرتدي قفازات؟ هل أطهر يدي بالكحول بعد كل شيء أمسه؟ هل أطهر كل الأشياء التي أشتريها؟ أنظر لكل شيء خارج المنزل بريبة. التركيز في التفاصيل يدفعني للجنون، فيزداد تسليمي لله ويقيني بأنه خير حافظًا. يزداد إيماني بالقضاء والقدر، مع اتخاذ إجراءات الوقاية اللازمة في حدود استطاعتي.

لا أدري إن كان كورونا “كوفيد-19” يشعرني  بالقلق. فأنا أبتسم وأمزح وأتكلم بحماس وأحاول الاستمتاع بوقتي. وفي نفس الوقت، لا يفارقني هاتفي سوى قليل من الوقت. أتصفح الأخبار كل بضع دقائق. يتنامى القلق بداخلي. أمرر صفحة فيسبوك لأسفل بلا توقف، وكأنه يشدني إليه بخيوط غير مرئية.

أتعجب من نفسي كيف يواصل قلبي النبض، تواصل روحي البقاء، وأنا لا أدري ماذا تحمل لنا الأيام القادمة. المجهول شبح ثقيل يسرق الأحلام ويخطف الأرواح. كل هذا والكوكب يواصل دورانه، والقمر يكبر رويدًا ثم يتناقص رويدًا، والشمس تشرق وتغرب، والنجوم تضوي وتخفت. الوقت يمر متباطئًا متثاقلاً كعجوز بالكاد يخطو. بداخلي شخصيتان. واحدة تتساءل عن معنى الحياة، وجدوى الوجود. والثانية ترى الله رحيمًا، تتعلق بالأمل في قدرته على كشف الوباء والبلاء.

إذا أعطتك الحياة ليمونًا فاصنع ليمونادة

أتعجب من طاقة الحياة بداخلي. أتحمس لكتابة تدوينة، أو تعلم غرز تريكو جديدة لأحيك لنفسي معطفًا. أرتل الآيات ربما بشكل أقل من ذي قبل، ولكن قلبي يجد لها طعمًا مختلفًا. أقرأ رواية تاركة روحي تغوص في البحار السحرية للكلمات. أشاهد فيلمًا وأنفعل مع أبطاله وأدع نفسي تغرق في عالمهم بعض الوقت. أخطط لاستغلال مكوثنا بالبيت في ترتيب المنزل، وفرز أغراضنا والتخلص من الزائد عن حاجتنا.

وكما قيل: “إذا أعطتك الحياة ليمونًا فاصنع ليمونادة”. بداخلي صوت يخبرني أن الله معي وأنه سيمنحني الصبر والقوة على أي ما قدره لي. بداخلي صوت يخبرني أن كل هذا سيمر، وأن في قلب المحنة منحة، لم أتبينها بعد ولكني أثق بوجودها.

اقرأ أيضًا: الساخرون من كورونا: استهتار أم حيل دفاعية

المقالة السابقةعن النضج والخسارة وأشياء أخرى
المقالة القادمةفيروس كورونا: أسئلة شائعة وإجاباتها

2 تعليقات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا