عندي عصفورتين زينة: عصفور أخضر وعصفورة لبني. العصفورة اللبني مجرد ما بتلمح حد من ورا ستارة البلكونة بتجري بسرعة تستخبى جوة العش الخشب، وجوزها كل ما ييجي يدخل تنقره فيبعد ويفضل برة، فييجي يدخل تاني تقوم مطلعة راسها وباصاله وهكذا، لحد ما في الآخر بيفضل برة في القفص. بتخيل إنه هو كمان بيكون خايف وعاوز يدخل يستخبى بس هي كأنها بتقوله “استرجل، خليك إنت برة عشان تحميني وتحمي بيتنا”. وأسلوبها فعلًا جاب نتيجة، فبعد ما كان قبل كده أول ما حد يخرج البلكونة يدخل يستخبى يفضل برة يطير ويتنطط وكأنه بيستعرض قوته.
المشهد ده خلاني أفكر في إن ساعات التصرفات اللي بتبدو قاسية بتكون في صالح الآخرين، وإن ساعات المنع بيكون هو عين المنح. وعلى الجانب الآخر، اهتمامنا الزائد بالآخرين وتحملنا للمسؤولية اللي هم المفروض يشيلوها بيضرهم مش بينفعهم زي ما إحنا بنكون فاكرين أو بنبقى عاوزين.
تعالوا أديكم أمثلة:
- الأم اللي تقعد تزق في ابنها وتزن عليه عشان يذاكر أو عشان يدور على وظيفة أو يعمل أي حاجة، ويمكن تقوم هي تجيبله الكتب وتبدأ تقرأ معاه أو تدورله هي على وظايف.
- الزوجة اللي كل ما زوجها يقع في مشكلة مادية تجري وتديله فلوس عشان يفك بيها زنقته، أو كل ما يحصل مشكلة مع حد تتصدر هي وتحلها.
- الأم اللي لما ابنها الصغير يبقى بياكل وبيوقع على نفسه تاخد منه المعلقة وتأكله عشان ميوسخش هدومه، أو يبقى مش عارف يعمل حاجة فتعملهاله على طول، أو لما تحصل مشكلة بينه وبين أصحابه تتدخل مباشرة وتحلهاله.
- البنت اللي تروح تصور الملازم لصاحبتها اللي مكبرة دماغها عشان متسقطش في الامتحان.
- والحاجة اللي أغلبنا بنعملها إننا نفضل ندي في نصايح للآخرين وحلول جاهزة لمشاكلهم بدل ما نساعدهم يفكروا، ويمكن ساعات نفضل وراهم عشان نتأكد إنهم بينفذوا اللي اتفقنا عليه.
الأمثلة كتير وملهاش حصر. كل واحدة في الأمثلة دي فاكرة إنها بتساعد الشخص الآخر، لكن في الحقيقة هي بتضره لأن الشخص ده بيتعوّد يعتمد على غيره مش على نفسه، بيصبح شخص سلبي واعتمادي ويمكن أناني، دايمًا كل مكان يروحه أو مشكلة يقع فيها هيستنى حد ينقذه، بس هل يا ترى إنتي هتبقي موجودة له على طول في كل وقت وفي كل مكان؟ هل هتبقي دايمًا قادرة تساعدي؟ الإجابة: أكيد لأ، لأننا بشر ولنا حدود. ساعتها الشخص هيضرب لخمة ومش هيعرف يتصرف لأنه متعودش يفكر لنفسه ويساعد نفسه.
على الجانب الآخر، لو سبتي ابنك يتخبط خبطة خفيفة هتوجعه شوية من غير ما تؤذيه، أو يوقع الأكل على نفسه ويوسخ هدومه هيخلي باله بعد كده وهو بيتحرك، وهيعرف بعد شوية ياكل من غير ما يوسّخ هدومه، ولو اتّبعتي معاه نفس الأسلوب ده (إنك تسيبيه يتحمل عواقب أفعاله في حدود سِنّه وقدراته) هيكبر ويبقى شخص معتمد على نفسه، قادر على حل المشاكل اللي بتقابله من غير ما يقف قدامها متكتف أو يحس إنه ضحية. ولو استبدلنا نصايحنا للآخرين (اللي بنديهالهم من غير ما يطلبوها) بمناقشة وأسئلة تساعدهم على التفكير، هنساعدهم أكتر يفهموا نفسهم ويلاقوا الحلول المناسبة لهم.
طب هو إحنا ليه بنتطوع بمساعدة الآخرين وبنتدخل في حل مشاكلهم من غير ما يطلبوا منا؟
- أحيانًا بنهرب من مشاكلنا مع نفسنا اللي مش عاوزين أو مش قادرين نواجهها بإننا نشغل نفسنا بمشاكل الآخرين.
- أو بنحاول نسيطر على مشاعرنا من خلال السيطرة على الآخرين، فعشان أنا كأم مثلًا خايفة إن الناس يقولوا عليّ إني مش عارفة أربّي ابني أقوم أفضل دايمًا حاطّاه تحت المجهر وأصلحله كل تصرفاته.
- ويمكن أكون مش عاوزة الناس يقولوا عليّ سلبية ومش بعمل حاجة لجوزي أو ابني أو صاحبتي.
- يمكن أنا مش بحس إن ليّ قيمة في الحياة غير من خلال مساعدة الناس.
- يمكن فهمنا لمعنى الحب ومعنى الإيجابية هو اللي بيدفعنا نتصرف بالشكل ده.
وطبعًا لكل قاعدة استثناء
ساعات الآخر يكون بيمر بأزمة كبيرة مخلياه واقع خالص، ومش قادر يفكر أو ياخد أي قرارات، أو يكون فاقد لاتزانه النفسي فبياخد قرارات وبيعمل تصرفات هتؤذيه أذى كبير. في الأوقات دي ممكن يكون تدخلنا أكبر من الطبيعي عشان ناخد بإيد الشخص لحد ما يقف على رجليه أو عشان نمنع كارثة إنها تحصل. ومع ذلك، لازم نفضل دايمًا نفكر نفسنا إن ده استثناء وإن مش ده الوضع الطبيعي اللي مفروض الحياة تستمر عليه.