في حقيقة الأمر أنا ضد التنمر.. ولكني أحمل نمرًا صغيرًا في حقيبتي، منذ طفولتي ربيته وروَّضته وأصبح صديقًا جميلاً، لا يخرج إلا في أوقات معينة.
نشأت طفلة صغيرة في أسرة متدينة، علمتني بعض القواعد في التعامل.. لا تشتمي، لا تحلفي، لا تردي الإساءة بمثلها، عاملي الناس بمثل أن تحبي أن يعاملوكي. كانت بالفعل بالنسبة لي مبادئ سامية، ولا زلت أعتقد أنها الأسمى والأجمل، ولكن…
تعرضت للكثير من حالات التنمر في المدرسة الابتدائية والإعدادية، كنت أقف حائرة أمامها، هل أرد عليها أم لا؟ كيف أواجهها؟ إلى متى سأظل أعيش في صورة المغلوب على أمره الضغيف في نظرهم وليس المسالم كما كنت أعتفد.
يومًا ما وأمام موقف من مواقف التنمر الشديدة، بعد أن فشلت محاولاتي السلمية، قررت أخرج نمري الصغير الذي طالما خبأته في داخلي. فوجئت زميلاتي أنني يمكنني أن أرد بالفعل عليهن وعلى تنمرهن وتكتلهن بكل قوة، أستطيع أن أدافع عن نفسي بكل جرأة، فقد ظهر وجهًا آخر لهذه القطة المسالمة لم يعهدهن من قبل.
من يومها وصديقي النمر الصغير يقبع داخل حقيبتي، ولكن لا يخرج إلا في أوقات معينة، عندما تفشل كل محاولاتي السلمية في الدفاع عن نفسي أخرجه بعض الوقت، ليس للتنمر، ولكن ليواجه تنمر الآخرين، فهو نمر صغير مروض للدفاع عن النفس.
كبرت وتزوجت ورزقت بالأولاد، وكان عليَّ أن أعلمهم كل ما تعلمت من مُثُل ومبادئ نشأت عليها وآمنت بها.. عامِل الناس كما تحب أن يعاملوك، ازرع الخير، اغفر، سامح، تأنَّ، سالم الآخرين، اهرب من الشر، واحمل معك نمرك الصغير المروض للدفاع عن النفس.
تعلم أن تواجه مشكلاتك بنفسك عندما تكون بمفردك، في مدرستك ستقابل الكثيرمن حالات التنمر. هناك حالات تقابَل بالتجاهل فلا ترد على الألفاظ بمثلها ولا تنزل بمستوى أدبك، اثبت على ما تعلمت.
يمكنك ان تلجأ إلى المعلمة أو الأخصائي الاجتماعي أو إدارة المدرسة، فإذا فشلت المحاولات يمكنني أن أساعدك بالحضور إلى مدرستك ومساعدتك. لا تخف؛ أنا بجوارك.
هناك حالات يجب أن ترد وأن تعبر عن رأيك بحزم، فليس من حق أحد أن يلمس جسمك بغرض التحرش، لا بد أن تعبر عن نفسك وعدم ارتياحك بعبارات واضحة، ارفض، قل: لا، قل: أنا لا أحب ذلك، قل: ليس من حقك. دع نمرك يكشف عن أنيابه قليلاً، تكلم وعبر، وأحيانًا أخرى اجرِ واترك المكان. اذا كان المعتدي أكبر سنًا أو أقوى. او ينوي الإيذاء.
تجنب الشوارع والأماكن البعيدة غيرالآمنة، ابتعد عن الانطواء، اجعل وجودك مع المجموعة والأصدقاء، اطلب المساعدة حينما تحتاج إلى ذلك.
كثيرًا ما نجح أولادي أن يواجهوا العديد من حالات التنمر بمفردهم، وقليلاً ما تطلَّب الأمر مساعدتنا.
وعلى الجانب الآخر بحكم عملي معلمة لمدة 18 سنة لطلاب الثانوي، قابلت الكثير من حالات التنمر، سواء طلبة ضد طلبة أو تنمر الطلبة تجاهي. بالخبرة تعلمت كيف أمنع الكثيرمن حالات التنمر داخل الفصل، كيف أساعد الطالب المغلوب على أمره أن يأخذ حقه، بالنصح أحيانًا والتحذير أحيانًا والعقاب أحيانًا أخرى، وكثيرًا ما نجحت في جعل بعض الطلبة المتنمرين مساعدين حقيقيين لي في الفصل، فأسندت إليهم الكثير من المهام التي تمتص طاقتهم.
كنت أحاول أن أفهم سبب التنمر، فأحيانًا كان السبب حبًا في الظهور، أو نشاطًا وطاقة زائدة، أو معاناة ومشكلات أسرية. وبالحديث مع الطلبة كنت أجد الكثير منهم متنمرين لأنهم ضحايا لتنمر سابق، وما كان تنمرهم إلا رغبة في التنفيس عن النفس.
ساعدني كثيرًا توجيههم إلى الأنشطة الفنية والرياضة وبعض المهام المشتركة، كنت أنتهز الفرص لخلق الأحاديث والحوارات البسيطة مع بعض كلمات التشجيع والمدح الحقيقية، جعلت منهم أشخاصًا مختلفة.
في حالات بسيطة لجأت لإجراءات إدارية مثل استدعاء ولي الأمر، وكان لهذا الإجراء فائدة كبيرة في التواصل وردع لحالات صعبة من التنمر.
قليلاً ما أخرجت نمري الصغير مع طلابي، فقد وجدت أن الصداقة معهم والكلمات الطيبة والتشجيع لها مفعول السحر في كثير من الأحيان، ولا سيما أنهم في سن المراهقة، سن التغيرات والتقلبات.
وأخيرًا، ومن مراحل حياتي طفلة وأم أولاد ومعلمة، لاحظت أن المتنمر قد يكون ضحية، هو في قرارة نفسه ضعيف، وغالبًا يرتدي وجه النمر ليخفي ضعفه وقلة حيلته، وقد يحتاج أحيانًا إلى المساعدة.
والمتنمَّر عليهم لا بد أن تُنار نقاط القوة لديهم ونوجههم إليها، حتى لا يعيشون في دور الضحية، لكن يستطيعون أن يواجهوا التنمر بلا خوف.
على الراشدين أن لا يتجاهلوا حالات التنمر، لكن يواجهونها ببعض من الحكمة والتعقل، حتى نحبط هذه الأفعال المتنمرة ونوقفها.