“ما هو أنا كنت قلقان أحاول أكلمك أو أتعرف عليكي تصديني، عشان إنتي طالعة فيها ومغرورة وأنا كرامتي غالية”.
دي كانت أول جملة يقولهالي جوزي في أول يوم اتعرفنا فيه على بعض وتبادلنا الكلام، طبعًا انطباع إني مغرورة ورخمة ومناخيري في السما ده مكانش جديد على وداني خالص، المهم يعني إني قلتله إني طيبة وقلبي قلب خساية وإن اللي زيي خلصوا خلاص، وهو اقتنع الحمد لله.
كتير ناس واخدين عني أفكار خيالية جدًا ومش حقيقية بالمرة، زيي زي أي بني آدم في الدنيا، كلنا عندنا وشين، وش ظاهر للناس ووش بيظهر بس ع المخدة، لما بييجي وقت التفكير في نفسنا الحقيقية، بس في الحقيقة بقى، أنا بكتب المقال ده عشان أعترف اعتراف، أنا مش بتضايق خالص لما حد ياخد عني فكرة مش حقيقية، بالعكس.. بستمتع وبغذي الفكرة دي في عقول اللي حواليا طول الوقت.. أنا هحكيلكم إزاي.
مثلاً.. أنا طول الوقت -حرفيًا- بقول على نفسي برنسة، برنسة دي مصطلح فضفاض جدًا بيضم تحته كل الصفات العبقرية، وبتعامل مع نفسي على هذا الأساس فعلاً، مع الناس ومع نفسي، يمكن عشان أنا فعلاً برنسة، واحتمال كبير عشان أتجاهل اللي بيحصل جوايا واللي ملوش أي علاقة بالبرنسة.
مش أنا بقول على نفسي برنسة طول الوقت؟ طيب أحب أعترف إن عمري ما اتحطيت في اختبار وكنت واثقة إني هعديه، عمري، طول الوقت دماغي مشغولة بالخطة البديلة لأن عندي يقين إن الاختبار اللي أنا فيه ده مش هعديه، أيًا كان الاختبار بقى، شغل، علاقات شخصية، ماديات، إن شالله حتى أكلة، أنا بكون من جوايا متأكدة إني فشلت، رغم إن لو جيت في نفس اللحظة سألتني عملتي إيه في الحاجة الفلانية هرد عليك بابتسامة ساخرة وأقولك “هكون عملت إيه يعني؟ أنا برنسة أساسًا”.
البرنسة دي بتحلم أحلام مزعجة كتير، كوابيس، بتشوف نفسها بتزحف، وبتشوف نفسها بتقع، بتشوف نفسها بتتخنق، وبتشوف نفسها متحاصرة في الضلمة، كوابيس كتير بتكون فيها ضعيفة جدًا ومش برنسة خالص.
مرة وأنا في ثانوي، كنت معروفة إني شاطرة في الإنجليزي، وكان مدرس المادة “مستر رأفت” عارف إني شاطرة جدًا، وفي مرة نسيت الكتاب، مستر رأفت يومها وقفني وقالي كلام أنا مش فاكراه، بس فاكرة تعبير الذهول اللي اترسم على وشه لما ابتديت أزعقله وأقوله إن أكيد مكانش قصدي أنسى الكتاب، ومحاسبتي على حاجة عملتها بدون قصد هو الغباء بعينه، الراجل اتفاجئ لدرجة إنه شاورلي أقعد من غير حتى ما يرد عليّ ولا يعاقبني، بعد الحصة روحتله مكتبه، وفهمته قصدي ومكانش مهتم خالص إني ناسية الكتاب، كان بس بيردد إنه مستغرب من رد فعلي جدًا. مستر رأفت يومها مفهمش إن رد فعلي ده كان خوف شديد، أنا كنت خايفة أحسن صورتي تتهز قدامه وأقع من موضع البنت الشاطرة لموضع البنت العادية اللي ممكن تنسى الكتاب.
المشكلة مش في اللي حصل يومها مع مستر رأفت، المشكلة إن رد الفعل ده ملازمني لحد النهارده، أنا كل مرة بعلي صوتي فيها بكون مرعوبة، مرعوبة عشان الخناقة دي معناها إني مش شخص كامل، أيًا كانت الخناقة وأيًا كانت أسبابها، عندي هلع من رأي الناس فيّ، ومن كتر توتري عشان أوصّل وجهة نظري بتعصب وأعلّي صوتي عشان أشوشر على أفكار الشخص اللي قدامي، واللي أكيد مش في صالحي، وأزرع جواه أفكاري أنا واللي فيها وجهة نظري اللي عايزاه يشوفها.
محدش عارف إني لما بتخانق بكون مرعوبة، محدش أبدًا فهم إن دفاعي المستميت عن وجهة نظري ده مش سببه إني عنيدة، ده سببه إني هشة جدًا، ورأي اللي قدامي فيّ ممكن يموتني حرفيًا، وأنا مش عايزة أموت.
بمناسبة الموت.. أوقات كتير بكون مكتئبة، مش مكتئبة بالمفهوم الحقيقي للكلمة واللي معناه مرض نفسي محتاج علاج، لا أنا بتكلم عن حالات الكآبة الدورية، ممكن حاجة عادية تخليني أكتئب وأحزن، طبيعي يتم اتهامي إني مبحبش الحياة وبحب أضيعها في أي كلام، بس الحقيقة بقى إني بحب الحياة حب مرضي، طول عمري لما بكتئب بيكون من شدة حبي للحياة، بحبها أوي لدرجة إني مبكونش عايزاها تختل، عايزة حياتي حلوة ومريحة ومرضية بالنسبة ليّ، الحب الشديد ده بيخلي أي حاجة صغيرة تعكر صفو حياتي، عشان أنا عايزاها كاملة، معتقدش أبدًا إن حبي المجنون ده للحياة ظهر بوضوح، دايمًا اللي بيظهر نقيضه، بس مين قال إن اللي بيظهر من برة هو الحقيقة؟
آه صحيح.. أنا نسيت أقولكم إيه سبب انطباع الغرور اللي أخده جوزي عني واللي حكيتلكم عنه في أول المقال.. أصل وأنا صغيرة كنت تخينة وسودا وبنضارة، فكل الناس كانت بتكرّهني في شكلي، فكنت بخوّفهم بتصرفاتي المتعالية عشان ميقدروش يوجعوني بالكلام اللي اتعودت أسمعه طول الوقت، يعني الحقيقة عمرها ما كانت إني مغرورة، بس ده سر، اوعوا تقولوه لحد.
* العنوان مقتبس من أغنية تتر مسلسل “اللقاء الثاني”.