كان اسمه محمد فؤاد، مستر محمد فؤاد، كنت باخد عنده درس فلسفة في أولى ثانوي، كان قصير وبدقن خفيفة، وعنده سِنّة مكسورة، وكان بيلبس جاكت لونه بني فاتح، وكان شبه عبد الحليم حافظ إلى حد ما.
كنت بحب الفلسفة، ولّا كنت بحبه فبحب الفلسفة؟ مش قادرة أقرر، بس الأكيد إني كنت بستنى حصته، وكنت طول السنة بذاكر فلسفة، وجبت فيها الدرجة النهائية، وقضيت تانية ثانوي كلها زعلانة عشان مش باخد عنده درس، ومستنية تالتة ثانوي تيجي عشان آخد عنده درس علم نفس.
في يوم كنت واقفة في الدور التالت في مدرستي، وباصة على الشارع، ورا مدرستنا كان فيه مدرسة ولاد، شفته معدي ورايح هناك، عرفته من الجاكت بتاعه، وفضلت طول تانية ثانوي، بقف في نفس المكان عشان أشوفه وهو معدي رايح مدرسته، وبصبّر نفسي وأستنى السنة تخلص وأبقى في تالتة ثانوي وآخد معاه درس خصوصي بدل القعدة في المجموعة الكبيرة اللي مكانش بيلاحظني فيها أوي، بس مكنتش بشوفه، يا ترى كان هو ولا مش هو؟ معقول هغلط في الجاكت البني وأتلخبط في مستر محمد فؤاد؟! طب يمكن مكانش رايح مدرسة الولاد؟! يمكن كان معدي من هناك عشان رايح الإدارة التعليمية وعشان كده مشوفتوش تاني؟ مش عارفة، بس أنا فضلت كل يوم أقف في نفس المكان وأبص على نفس الشارع يمكن أشوفه معدي.
في تالتة ثانوي، أخدت عنده درس علم نفس في بيت جيلان، الأوضة كانت فيها تلات كنبات، كنت بختار المكان اللي هيخليني أقعد قصاده عشان أشوفه وهو بيتكلم.
دمه كان خفيف، أو أنا كنت متخيلة كده، كان متجوز، وعنده ولدين، خالد وعمر، كان شاطر في مادته، ومكانش جشع وبيحاول ياخد مننا فلوس كتير، كان هادي جدًا وابتسامته جميلة، والمذكرات بتاعته كان بيطبعها على ورق لونه أصفر وبمبي، ورق رخيص، عشان مندفعش كتير في المذكرة.
كنت بحط كحل وزبدة كاكاو وأنا رايحة الدرس، من ورا ماما طبعًا، وساعات كنت بحط فازلين مش زبدة كاكاو، كنت بقول إنه عشان يرطب شفايفي، بس أنا كنت بحطه عشان يبقى شكلي حلو.
مرة كنت تعبانة في الدرس وهو كان بيحاول يضحكني، فقال لجيلان اعمليلها كوباية شيح هتبقى زي الفل، وفضلت دي دعابتي المفضلة طول السنة، بس أنا يومها مكنتش تعبانة، أنا كنت زعلانة عشان دي كانت حصص المراجعة، والسنة قربت تخلص ومش هشوفه تاني.
كنت شاطرة في علم النفس، وكنت بجاوب على كل الأسئلة، وكنت بجيب الدرجة النهائية في الامتحانات اللي كان بيعملهالنا، وهو كان مبسوط بيّ، وكان بيقولي إنجي يا ويكا، كل ما يشوفني يقولي إزيك يا إنجي يا ويكا، كان اسمي المفضل، واللي مكنتش بحب أي حد من زمايلي يناديني بيه عشان يفضل بس مستر محمد فؤاد هو اللي بيقولي إنجي يا ويكا.
كنت بسأله كتير في حاجات تخص المنهج، مش عشان أنا مش فاهمة، بس كنت بثبت إني بنت ذكية جدًا وإني أشطر واحدة في الطلبة بتوعه، وهو كمان كان بيقولي كده طول الوقت.
بعد آخر حصة في آخر السنة، قبل الامتحان، قعدت أذاكر علم نفس وأعيط كتير، مش هشوفه تاني خلاص، وأسمع أغنية وائل جسار بتاعة بعد أما ارتاحت روحي ليك، ودخلت الامتحان وجبت الدرجة النهائية، ودخلت كلية آداب، وحلمي اتحطم في إني أدخل قسم لغة إنجليزية فتلقائيًا لقيت نفسي بختار قسم علم النفس.
سألت على مواعيده في السنتر اللي كان بيدي فيه الدروس، حصته كانت يوم الحد الساعة سبعة، كتبت معاد الحصة على موبايلي، وفضلت كل فترة أفتح المسودة وأقرا المعاد وأقول هروح أسلم عليه، ومروحتش ولا مرة، لحد ما السنتر قفل ومبقتش عارفة مكان ممكن أشوف فيه مستر محمد فؤاد تاني.
وقابلته مرة على بوابات الكلية وأنا في سنة تانية، شفته معدي من قدامي وماشي مع موظفة من بتوع الكلية، طرت من مكاني، وناديت عليه، وكان لابس نفس الجاكت، بصلي وضحك، وقالي إزيك يا إنجي يا ويكا عاملة إيه، مكنتش بتكلم، فضلت باصاله ومبتسمة، ومشي، وأنا مشيت ويومها اتأكدت إني كبرت.
بطلت أحب مستر محمد فؤاد، وتقريبًا نسيته، وكبرت، مبقتش مراهقة، حتى شكلي اتغير، كل حاجة اتغيرت، بس لسه ببتسم لما أسمع أغنية وائل جسار، ولسه معرفش إيه هو الشيح لحد النهارده.