عروق زرقاء نافرة في الثديين، علامات تمدد في البطن، خطوط سليلويت في الفخذين، هذا إلى جانب قطرات اللبن المتساقطة باستمرار من الثدي إذا ما مرت ساعات دون إرضاع طفلك الصغير، تفكرين كيف يمكن لهذا الجسد المنهك القبيح أن يحظى بجنس جيد؟ كيف يمكن أن يحظى بجنس أصلاً؟! وكيف تدارين هذا الترهل في بطنك؟
لا يمكن أن تتركي الرضيع وحده، يجب أن يظل متشبثًا بجسدك ورائحتك حتى يحظى بنوم عميق، ثم هو لا ينام أكثر من دقائق متصلة يبدأ بعدها في الصراخ رغبة في الرضاعة، تلك الدقائق القليلة لا تُمكِّنك من الاغتسال والتخلص من رائحة اللبن المختمر العالقة بك دومًا، حتى إذا لم يشمها غيرك، أنفك يلتقطها بوضوح، يلتقطها ويخبرك بصرامة أن الجسد الذي تعلق به هذه الروائح لا يجب أن يحظى بجنس ممتع، ثم أنه ليس هناك وقت من الأساس لممارسة أي شيء، سيصحو طفلك بعد دقائق.. فاستعدي.
طفلك مستلقٍ في فراشه يتأمل الألعاب المعلقة فوق رأسه ويصدر أصواتًا مطمئنة، يمكنك الآن أن تتركيه وتنطلقي لتفعلي أي شيء تريدينه، عقلك يصرخ إياكِ أن تفكري في الجنس، ليس الآن، ماذا إن ملَّ ألعابه؟ ماذا إن احتاجك فجأة؟ جنس ممتع وصغيرك في الغرفة الأخرى وحده يشعر بالخوف؟ ثم أن هناك أمورًا أهم، اجمعي ملابسه من على حبل الغسيل وضعيها مُرتَّبة في الدولاب، ثم أن من الأولى أن تخجلي من شكل جسدك بدلاً من التفكير في كيفيه إمتاع هذا الجسد.
لو كانت الأفكار لها طعم لأصيبت الأمهات بالتسمم، على أفضل تقدير يمكن أن تصيبهن تلك الأفكار بعسر الهضم، خصوصًا في الأشهر الأولى من الأمومة بعد الولادة، بالتحديد إذا كانت أمومة للمرة الأولى، يحدث هذا بنِسب متفاوتة لمعظم الأمهات، خصوصًا للمرأة التي تعرف أهمية العلاقة الجنسية وتعرف كيف تستمتع بها سابقًا قبل الولادة.
ما يحدث لجسد المرأة بعد الولادة وأثناء الإرضاع ليس فقط تغيرًا في شكل جسدها، ما يحدث بداخل المرأة أكبر من مجرد خطوط في الصدر أو ترهل في البطن، أفكار تضرب عميقًا في عقلها وقلبها تخبرها أنها يجب أن تتحمل المسؤولية أربعًا وعشرين ساعة، وأن مجهودها كله يجب أن يكون مركزًا على رضيعها، وأن انصرافها عن الاهتمام بنفسها هو من صميم الأمومة، الرغبة في المتعة تتراجع لخلفية أفكارها، إضافة للهرمونات التي ترافق عملية الرضاعة، جسدها مصنع هرمونات يعمل بأقصى طاقته، مزاجها متقلب وألف فكرة تصطرع في ذهنها عن كل شيء، فيتراجع الجنس ويفسح مكانًا لمخاوف وقلق ومستقبل غامض ومسؤوليات تنهشها ليل نهار، حتى لا يتبقى في جسدها طاقة للمتعة.
المشكلة أن الانغماس في هذه الدوامة يجعل المرأة في الأغلب وحيدة، مع ضيق الوقت ليس لديها وقت لاستشارة الصديقات وسؤالهن عن تجاربهن، تبقى وحدها مع أفكارها التي تخبرها أن كل النساء ماعداها قد قمن من الولادة مشرقات بجسد ممشوق وبطن مشدود، صديقتها الفلانية لا زالت ترتدي نفس ملابسها التي كانت ترتديها قبل الحمل والولادة، هي لا تعرف أن تحت هذه الملابس بطنًا مجعدًا ليس جميلاً بدوره، وأن صديقتها تنهشها هي الأخرى أفكار عن استحقاق هذا الجسد الذي أصبح داكنًا في مناطق عديدة بالمتعة، كل واحدة فيهن وحدها مع خوفها وهواجسها.
ثم تتفاقم الأزمة إذا كانت المرأة متزوجة رجلاً لا يعرف أي شيء عن ميكانيزم عمل جسد المرأة، لا يذهب معها إلى الطبيب، لا يقرأ، لا يشاهد برامج تتحدث عن الأمومة والأبوة، لا يعرف أي شيء سوى أجسام نجمات التليفزيون، حتى إذا لم يُصرِّح مباشرة بما يعتمل في عقله. زوجته تعرف أنه لا يعرف، فتخجل أكثر من جسدها، تحاول مداراته أكثر الوقت، وترفض العلاقة الجنسية جملة وتفصيلاً حتى لا تواجه رفضه الصريح لجسدها، الذي أصبح مجهدًا وروحها التي أصبحت أكثر إجهادًا.
أكتب هذا المقال الآن لا لأخبرك عن الحلول المتاحة، أعرف أنك لا تريدين أن تسمعي حرفًا عن تمارين البطن التي لا تجدين لها وقتًا ولا تملكين لها مجهودًا، ولا عن الأنظمة الغذائية التي تتوافق مع الرضاعة، لأنني أعرف أنك لا تملكين وقتًا لتنميق الطعام وتجهيزه وأنك تتمنين لو يمكن أن تأكلوا الطعام نيئًا حتى لا تضطرين للطهو وطفلك يصرخ.
أنا أكتب هذا المقال لأخبرك أنك لست وحدك، وأن كل الأمهات مررن من هناك، عبرن النفق ووصلن للبر الآخر آمنات، سأطلب منكِ فقط أن تتكلمي، تكلمي مع زوجك خصوصًا إذا كنتما متفاهمين، تحدثي معه عن ضرورة دعمك وأنك تحتاجين منه أن يرى جسدك وأن يخبرك أنك لم تتحولي لشيء كريه، سوف تتفاجئين أن عقلك يُضخِّم لك الأمور، وأن بطنك ليس بالترهل الذي ترينه في المرآة، وأن خطوط جسدك يمكنك أن ترسمي عليها “تاتو”، وأن روحك المرهقة هي التي تسيطر على الأمور، وتتكاتف مع عقلك في حرمانك من متعة جنسية، بإمكانها أن تخفف عنك ما تعانيه من ضغوط وإرهاق.