فرحة من قلب الوجع

772

من يومين كان عيد ميلاد حمايا الله يرحمه، أول عيد ميلاد ييجي بعد وفاته.

 

علاقة جوزي بأبوه مش علاقة عادية، هو كان سبب مباشر جدًا ومفيهوش أي نوع من الكناية في إن جوزي يفضل عايش لحد النهارده، يوم عيد ميلاده جوزي كان حزين جدًا، مكانش متصور يعني إيه ييجي اليوم ده من غير ما يقوله كل سنة وإنت طيب، ويجيبله حاجة حلوة فباباه يقوله مبحبش الحاجات دي ويعيط، فيبوس إيده وراسه ويقوله ربنا يخليك لينا يا حبيبي.

 

مكانش مستوعب أبدًا إن ده مش هيحصل واليوم خلص من غير ما يعمل الطقوس دي، أنا يومها كنت مقدرة إحساسه جدًا، بس مفيش ولا كلمة ممكن أقولها هتغير أي شيء من الموقف، كل اللي قلته ساعتها “أنا عارفة إن عيد ميلاد عمو النهارده.. إحنا هنبعتله هدية تفرحه”، كنت بفكر في صدقة باسمه مخصوصة لعيد ميلاده، ومستقلة تمامًا عن الصدقات الدورية، حاجة توصله على إنها فعلاً هدية، هتنفعه وأكيد هيفرح بيها حتى لو مش موجود معانا في الدنيا، أصل الخير مبيروحش.

 

بعدها لما فكرت في الموضوع، اكتشفت إن الهدية دي مش هتفيد عمو بس، ولا هتفرحه هو لوحده، إحنا هنفرح ناس تانيين كمان بيها، ناس مش عارفين إن الفرحة اللي جيالهم فجأة دي جاية من أوجع حتة في قلب ابن فقد أبوه وقرر إنه من الوجع ده يعمل حاجة تفرح حد تاني.

 

عندي واحدة صاحبتي، حنينة أوي من زمان، حتى أنا كنت بقولها إنها أم من قبل حتى ما تتجوز، طيبتها مفيش عليها خلاف بالنسبة لي، بس اللي بتعمله من وقت وفاة أمها شيء ملفت جدًا للنظر.

 

صاحبتي دي مفترقتش عن أمها طول حياتها، كانت علاقتهم متبادلة، يعني ساعات هي اللي بتكون أم لمامتها، وكانت بتاخد بالها من كل تفاصيل حياتها، طنط دي كانت ست دمها خفيف أوي، فكانت أوقات تقول “لما أموت ابقوا وزعوا على روحي برتقان ومانجة”، عشان هي كانت بتحب الفاكهتين دول أوي، وخاصة البرتقان، المهم إن طنط توفت من سنة وشوية، وده تاني رمضان ييجي على صاحبتي من غير أمها، مبتنساهاش أبدًا ودايمًا تدعيلها وتبعتلها خير.

 

رمضان اللي فات دخلت الأوضة اللي كانت بتنام فيها طنط أم صاحبتي، لقيتها حاطة أكياس كتير أوي ع الأرض كلها مليانة حاجات ومقفولة، حاطاهم قدام السرير اللي كانت أمها بتنام عليه ناحية راس أمها، وكأنها لو نايمة ع السرير زي عادتها هتكون شايفة الأكياس.

 

لما سألتها قالتلي إن الأكياس دي “بتاعة ماما”، وفهمت إنها قررت تفرح ناس متعرفهمش في رمضان بسبب وجعها على فقدان أمها.

 

أنا مش عارفة هي كانت قاصدة تحط الأكياس في أوضة أمها قبل ما توزعهم ولا لأ، بس حتى لو مكانتش تقصد فأنا مقتنعة إنها عملت كده عن رغبة حقيقية إنها تشرك أمها في الخير ده وتفرحها بيه، حتى لو هي مش واعية لده.

 

الموقفين دول خلوني أخدت بالي من حاجة مهمة أوي، إنه سهل أوي تفرح الناس، بس صعب أوي إنك تفرحهم وإنت حزين، الموضوع محتاج قوة ومحتاج بصيرة. مرة كنت قريت زمان لعبد الوهاب مطاوع جملة بيقول فيها “التعساء أنانيون”، لأنهم بيكونوا متمحورين حوالين تعاستهم ومش عايزين يساعدوا حد ولا يفرحوا حد، معندهمش وقت للاهتمام بالناس لأنهم أنانيين جدًا وحزنهم مغطي على أي مشاعر إيجابية ممكن يدوها لأي شخص.

 

اكتشفت إن الفرحة اللي بتصدرها للناس من قلب وجعك تمنها أغلى بكتير من الفرحة اللي بتصدرها وإنت مبسوط، أصل وإنت مبسوط سهل أوي إنك تبسط اللي حواليك، لكن إنك تكون حزين وموجوع وتقرر تخرج من قلب الوجع ده فرحة لحد تاني، ده اللي مش بسيط أبدًا.

 

الناس اللي هتوصلهم هدية جوزي لوالده المتوفي وهتفرحهم، والناس اللي هتوصلهم الأكياس اللي بتعملها صاحبتي لمامتها وهيفرحوا بسببها، مش هيكونوا عارفين إن الخير ده جاي من قلب المأساة، مش هيحسوا غير بالفرحة وبس، وعلى الطرف التاني أي حد بيبعت فرحة لحد من قلب وجعه بيحس إن الألم بيتسكن شوية، هتحس إن لسه ليك في الدنيا حاجات تعملها، ومش عشان فقدت شخص عزيز أوي عليك فإنت خلاص دورك انتهى، بالعكس.. يمكن يكون دورك لسه بيبتدي.

 

ابتدي اعمل دورك اللي عليك، طلّع فرحة حتى لو إنت موجوع، إنت هتستفيد أكتر من اللي بتبعتله الفرحة دي، ع الأقل هتحس إنك قادر تكون كريم، حتى لو مكانش اسمك رمضان.

المقالة السابقةكيف أحب نفسي وأهتم بها؟ حب الذات ليس أنانية، حب الذات والثقة بالنفس
المقالة القادمةحسين الإمام.. صاحبي اللي معرفوش
إنجي إبراهيم
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا