زمان وأنا صغيرة، كنت بسمع عبارات من نوعية “مطلعتيش الأولى ليه؟”، و”حلوة الرسمة دي بس شوفتي رسمة بنت خالتك؟ ألوانها هايلة، جنان”، وده كان بيخليني أحس بدونية رهيبة، اللي هو أنا عمري ما هكون زي بنت خالتي وألوانها الهايلة، وأحس بالذنب لأني مش كويسة وشاطرة زي الأولى. بالتبعية فقدت إحساسي بالرغبة في التفوق -ما دام مطلعتش الأولى بقى، كده كده مش عاجب- وخرجت من الترتيب أصلًا، وبقيت برسم من غير اكتراث، رغم إني كنت بحب الرسم يعني.
كبرت وبطلنا مدارس، بس أنا بقى تبنيت الصوت ده، أصبح لازقلي: فاكرة نفسك هتفلحي؟ نيفر. أو “يا فاشلة يا فاشلة يا فاشلة”، أو “فين الفلوس اللي جمعتيها؟”، رغم إن أصلًا المرتب على القد والتضخم بلاعة فلوس في مصر. بقيت بشتم نفسي إني عمري ما هطلع الأولى وهيفضل فيه ناس بتكتب أحسن مني وبتحوش فلوس أكتر، وبتلبس أشيك وبتتكلم من غير لعثمة، وبتتجوز ولاد حلوة وبتضحك من القلب في الصور.
فضلت مع الأيام بثبت لصوتي الجواني إني فعلًا زي ما بيقول، فبطلت كتابة فترة، وأصابتني كآبة خفيفة إني عمري ما هكون زي اللي بيلمعوا حواليّ في كل حتة. وبعدين ابتديت أتساءل: هل فعلًا ده أنا ولا إني بركن للأسوأ عشان أحاول مصلحش من حالي؟ قعدت مع نفسي شوية، وبعدين قررت أدوّر في مصدر المعلومات الأوسع والأول: الإنترنت، وده اللي لقيته.
أول حاجة لازم نعملها: نتعرف على الصوت ده جوانا، لأن طول ما هو مخفي بيفضل يزنّ زي عصفور الطنّان الصغنون أوي بس مسموع، في أدمغتنا، وينخور ورانا بحثًا عن الأسوأ. اعترفت بوجوده؟ كويس، ندخل على الخطوة التانية: حاوره. قوله الحاجات دي:
1- ولو؟ إيه المشكلة؟
يعني، لو قالي إن فلانة بتلبس أشيك مني وليها عدد أكبر من دوسات الزرار “أعجبني”، وإيه المشكلة؟ ده مش هيقلل من قيمتي وجمالي الخاص، ولو على اللبس، عاجبني كده. شوية ثقة بالنفس الله يخليكي.
2- أنا مش مهتمة، ولا حد هيهتم.
مشكلة الصوت ده إنه معتبر نفسه سايق في الأهمية، وزايد في الحيثية. يعني لو قال حاجة، يبقى هي دي ومية مية وأكيد صح. لكن الخبر الجديد بقى إنه ملوش أي وزن. إنتي اللي بتخليه مهم أو بتعمليله قيمة. متسمعيلوش، قوليله على فكرة إنت غلط، وحاولي تفنّدي رأيه بأمثلة وبراهين تدل على خطؤه.
3- ليه لأ؟ ليه مقدرش؟
لو قالك إنك متستحقيش الحب أصلًا وأحسنلك تنزوي في ركن وتستني شارون حارس نهر ستيكس يعدّي بيكي نهر الحياة للمقابر، قوليله ليه لأ؟ الحب بييجي من غير توقع على فكرة، و”يفتح الحب الباب فتدخل الحياة”، زي ما بتقول أهداف سويف. ليه مستاهلش؟ ليه مقدرش؟ ولو قالك متقدريش ترسمي البطريق بأبعاده الصحيحة قوليله واي نوت؟ أنا ممكن أغشه من أي صورة قدامي بطريقة المربعات، كل مربع صغنون فيه تفصيلة، وبكده ارسمه صح. إنت إيش فهمك في الحاجات دي أساسًا؟
4- إيه اللي يحصل لو أنا عملت (كذا) أو معملتش (كيت)؟
اسألي روحك: إيه المشكلة لو أنا عملت كده؟ الناس هتتكلم؟ مش هيعجب الناس؟ سو وات؟ المفروض يعجبني أنا الأول، وحسب ما أقول هو اللي يمشي. الكون يمكن بتغيره الأفعال الصغيرة، وأنا لو عملت اللي مؤمنة إنه صح، ده ممكن يتسبب في إحداث تغيير وفي إن حاجة حلوة تحصل. خليكي مؤمنة بقدرتك على كده.
وخليكي دايمًا فاكرة: الصوت الساخر المحطّم اللي جواكي نادرًا ما بيختفي للأبد. بس إنتي طالما أخدتي بالك منه ومن أفاعيله هتقدري تتصديله، وتاخدي ردود أفعال واعية وبقرار نابع منك، مش من التريقة وتكسير المجاديف.
إيه أسباب ترسخ التفكير السلبي عن نفسي جوايا؟
أول حاجة إني ماشية بالنقيضين، حاجة ورثتها من أمي وجدتي وخالتي، وهمّ ماشيين بيها لحد دلوقتي: يا أكون الأولى يا مفيش، يا أبيض يا اسود، لو سلّمت على أستاذي بالإيد سمعتي نزلت الطين خلاص، ومفيش أي حاجة أعملها تقدر تصلّح الفِعلة الشنيعة دي. لو مجيتش الحفلة يبقى أنا مبحبهاش، مش لأن “ظروف حصلتلي” أو لأني ببساطة “صحيت بطني بتوجعني”. الطريقة دي بتخلينا نغطي بتراب مش نضيف على كل الحلو اللي فينا، طالما هو مش “الأحلى” وسط كل البشر.. وإنتي أصلًا شفتي كل البشر عشان تقرري مين أحلى فيهم؟ افتكري دايمًا: التفكير اللي بيتراوح بين القطبين المتناقضين هو الطريق الذهبي للتعاسة.
تاني حاجة إني بتوقع الأسوأ من الناس. لو حد قاللي كتابتك حلوة فده بيجاملني عشان ميحطمنيش بالحقيقة، لو حد مدح في ربطة الطرحة بقولهم لأ دي مجرد “إجراء” عشان شعري اللي لسه غاسلاه ميتعرضش للهوا وآخد برد، لو حد سكت في محادثة فده لأني مملة كالجحيم ومصلحش لإجراء أي حوار عقلاني ممتع. الوضع ده مرهق جدًا، تخيلي لما تتوقع الأسوأ دايمًا من الناس؟ عشان كده بفهم لما الناس اللي بتقعد مع نفسها وأصواتها الداخلية كتير ممكن تسحب مسدس وتطلقه بكل بساطة على صدغها اليمين، وكل قصده إنه “يسكّت الصوت اللي جواه”.
ادّي احتمالات أكتر لتفسير الحاجات اللي بتحصل من الناس. لو حد سكت فده يمكن لأنه عطشان وبيفكر هيشرب إيه جنب المية. لو متعزمتش على الفرح فيمكن لأنك كنتي مقصّرة في الفترة الأخيرة والعرسان مزنوقين في عدد الناس فعلًا. لو حد قالك إنك بتشتغلي حلو أو بتكتبي حلو صدقيه، وصدّقي موهبتك وقدرتك على الشغل الجيد.
لما تقولي لنفسك إنك متستاهليش وإنك خلاص متستحقيش المعاملة الجيدة، ده أهون عليكي من إنك تحسي بإنك حلوة ومشرقة ولامعة، زي ما إنتي فعلًا، بدليل تعليقات الناس على كلامك وأفعالك. ده بيحط عليكي عبء إنك تتصرفي وتظهري بالحلاوة والإشراق واللمعان اللي بيستتبعهم إيمانك بذاتك وتصديقك في جمالك. عبء إنك تبقي إيجابية وتضحكي للدنيا أكتر. إنت خايفة، عشان كده قاعدة في الضلمة، ومصدقة الصوت الممرور الداخلي، وبتقولي”أي حاجة تيجي، المهم نقضي العيشة دي بأقل قدر ممكن من الخسائر” وخلاص.
ثالت حاجة: تقبّلي الرفض وعامليه على إنه الطريق لتحسين ذاتك. يعني لما شخص يرفض يدخل معاكي في علاقة، مش يمكن كان هيجرّك لتحت ويبهدلك زيادة؟ مش كان يمكن (أي حاجة سيئة) تحصلك؟ لو اترفضتي في شغلانة، مش كان ممكن تكون ضاغطة على أعصابك وسيئة ماديًا وتضايقك؟ خليكي مؤمنة إن ربنا عمل الحاجات بمقدار مضبوط، يعني لو إنتي شفتي الإشراق في وردة عباد الشمس دي، فده لسبب، ولو مشفتيهاش، فده برضو لسبب. التفكير الإيجابي مش معناه إنك تفكري إن كل حاجة هتبقى في أحسن حالاتها، بل يعني إنك تتقبلي إن ما يحدث في اللحظة الحالية ومتقدريش تغيريه، ده أحسن حالة له.
وأخيرًا: دوّري جواكي على الحاجات اللي مخلياكي كارهة نفسك أوي كده. خلي عقلك يقنعك إنك متستاهليش الحقد ده كله، والكراهية دي مش هينتج عنها أي مردود إيجابي. اعملي خطة واقعية تمامًا، هقول لنفسي وبصوت عالي أنا كويسة، أنا بارعة في كذا، أنا أم كويسة، مش شرط أكون مثالية، بس آديني بحاول. رددي لنفسك بصوت عالي الجوانب الإيجابية اللي فيكي، وركزي الضوء عليها. وخليكي مع الناس اللي بتحسسك بإنك كويسة وجميلة، اللي شايفينك حلوة زي ما إنتي، عشان تجربي تشوفي نفسك بعينيهم، وتنبهري بيكي زي ما همّ مبسوطين بوجودك قربهم. خلّي علاقتك بيهم الأخذ والعطاء، زي ما بيدوكي جمال ونور اديهم حب وكلام حلو كتير.
إنتي تستاهلي، ثقي في ذلك.