سيدة النباتات 1: أمور تعلمتها من رحلتي مع النباتات المنزلية

1017

 

مى فتحي

لا أتذكر تحديدًا متى نمَت حاجتي لوجود نباتات في بيتي، فأنا لم أنشأ في بيئة خضراء، ولم نمتلك يومًا أي نوع من أنواع النباتات الحية في بيت والدَي.

لكنني بدأت في الاهتمام بالأشجار على استحياء في وقت دراستي، كنت أحفظ كل الأشجار الكبيرة والصغيرة في جامعتي وأماكنها، وكل الأشجار الموجودة في الطريق من وإلى الجامعة. لا زالت هذه العادة معي حتى الآن في الطرق التي أسير منها أكثر من مرة وألحظ فيها الأشجار والورود الصغيرة حولها. أنتبه فورًا إن تم تقليم شجرة أو قُطعت أخرى.

عندما انتقلت للعيش في القاهرة، كان وجود النباتات في البيت هو بداية تصالحي مع هذه المدينة. كنت أهتم بها هي وقطي الصغير كأنهم عائلتي الوحيدة هنا.
انتقلتُ إلى بيت جديد ثلاثة أعوام تقريبًا. لم تنتقل معي أي من النباتات التي امتلكتها، جميعها ماتت. كنت أمر بمرحلة نفسية متدهورة، فقدت قدرتي على الاعتناء بالكثير من الأمور وكانت نباتاتي هي الضحية الأسرع تأثرًا.

 

ولكن منذ انتقالي للبيت الجديد وأنا أشاورعقلي، هل أبدأ في شراء نباتات الآن، أم عليَّ الانتظار قليلاً؟ ربما حتى تكبر الصغيرة، وربما عندما أُكمل ما أحتاجه من أساسيات البيت، وربما… وربما… أسباب كثيرة صنعتها، لكنني في الحقيقة كنت أعلم أنني لن أشعر بأن هذا البيت هو بيتي إلا عندما أملأ أركانه بالنباتات والورود.

بعد عدة أشهر من ولادة صغيرتي، ابتعتُ نبتة نعناع حُلوة وطيبة للغاية.. بقيت هي النبات الوحيد في بيتي، حتى استطعت أخذ خطوة أخرى وابتعت إصيصَي نبات بعدها بشهرين، ثم اثنين آخرين بعدها بفترة ليست بالكبيرة، وتوالت النباتات بعدها على بيتي.

أمضيتُ نهاراتي حينها في تنسيق وري تلك النباتات، ومحاولة توزيعها داخل البيت بأفضل شكل وبأكثرها دهاءً حتى تكون بعيدة عن أيدي ابنتي الصغيرة.
البيتُ لا يكون بيتًا حقًا إلا بعد أن تضع فيه نبتتك الأولى. إنها إحدى تلك التفاصيل الصغيرة التي تجعل الدفء يتسرب إلى هذه المساحة لتُشعرك بأنك مُرحب بك، وأنك تنتمي إلى هذه المساحة من العالم.

أتذكر الآن “ليون” من فيلمThe Professional  وتلك النبتة الصغيرة التي كانت تنتقل معه في كل مكان، فقط لتُشعره بأنه ليس غريبًا في العشرات من غرف الفنادق التي اضطر أن يقيم فيها.
نعم للنبات هذا النوع من التأثير!

 

عندما أفكر في تأثير النباتات على حياتي، تحضرني العديد من الأفكار التي ربما تبدو بديهية، لكنني اكتشفت أن بعضها لم يكن له حضور قوي في حياتي إلا بعد أن بدأت رحلة عنايتي بالنباتات المنزلية. مثلاً:
– العالم كله لا يدور حولي.
– هناك الكثير من الكائنات الحية، ولست أنا الوحيدة الجديرة بالاهتمام، بل أكثر، لستُ أنا الوحيدة الجديرة باهتمامي.

– يُمكنني أن أهتم بأشياء أخرى، تحتاج للحياة بشكل آخر، وحياتها متوقفة عليّ وعلى مبادرتي. هناك قدر من المسؤولية في هذا الأمر، وهناك قدر أكبر من تدريب النفس على التفكير في الآخر.

 

– أمور بسيطة كأن أبحث دائمًا عن حلول لفترات غيابي الطويلة عن البيت، وكيفية توفير المياه لهذه النباتات الضعيفة، أو كأن أبحث عن سبب لذبول هذه الأوراق أو تلك الورود، تُشغلك قليلاً عن نفسك. يبدو لي أن من المنطقي جدًا أن أنشغل عن نفسي بعض الوقت، ألا أجعلني محور الكون، وأن أتخفف من حِمل الأنانية الخفية التي قد تُصاحب هذه الفكرة.

– تقبل أن هناك أمور غير مثالية، لكنها ستظل جميلة.
لديَّ العديد من البناتات التي لديها عيوب في بعض أوراقها، لا يُمكنني مثلاً تخيل أن أقوم بقص هذه الورقة أو التخلي عن النبتة بأكملها لأنها ليست مثالية. هناك الكثير من الجهد والاهتمام، والرعاية التي وضعتها في هذة النبتة، وإن كانت غير مثالية فهذا لا يعني أبدًا أن أهملها، أو أتركها تموت، بل يعني فقط أن هذه النباتات مثلنا تمامًا، تملك شخصيات متعددة ولها احتياجات مختلفة.

– هناك موت، وهناك فرص جديدة أيضًا.
لأنه بالرغم من أنني أحاول القيام بكل شيء يخص نباتاتي بطريقة مثالية، لا أنسى وقت سقاية النباتات، وأفحصها باستمرار لاكتشاف أي أمراض قد تُصيبها، أقلب التربة، وأخصبها إن احتاجت، فأنا قد أفقد بعض الأوراق كُليًا، ربما أفقد النبتة كلها إن لم أنتبه بما يكفي أو في الوقت المناسب، وربما حتى أفقدها دون أن أدري السبب وراء ما حدث، لأن هناك أخطاءً قاتلة. لكنني يجب أن أتعلم دائمًا أن أتكيف مع الفقد، وأن أبحث في المقابل عن الفرص الجديدة، الفروع والأوراق الصغيرة التي تشق طريقًا للحياة، لترسل لي رسالة بألا أفقد الأمل نهائيًا.

المقالة السابقةنصائح رمضانية من أم ستينية
المقالة القادمةدليلك لتنظيم وقتك في رمضان
يبدو من الصعب التعريف عن نفسي، سأختصر الأمر، أنا أم، و زوجة. أكتب، أصور، أقرأ، وأملك فكرة جديدة كل يوم. وأمتلك 30 نبتة في بيتي، وهذا العدد قابل للزيادة دائماً، السرد والحكي هما الطرق الوحيدة التي أعرفها لأُثبت أنني قد وُجدتُ يوماً.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا