في إحدى أمسيات الخميس التي لن تُنسى، كان الجو خريفيًا لطيفًا، وكانت لي فرصة للراحة من مسؤولياتي اليومية المعتادة. فبعد يوم عمل طويل كان مسموحًا لي أن أختار كيف سأقضي كل لحظة حتى ميعاد النوم. ياه! كم كنت أفتقد حريتي في اختيار ما أفعل في ساعاتي القادمة ولو لليلة واحدة! فقررت أن أرقص بعض الرقصات المجنونة مع نفسي، حيث كانت روحي في حاجة شديدة أن أراقصها، حتى تقوى على الخروج من سباتها العظيم.
بدأت أمسيتي السحرية بالرقصة الأولى، وهي عبارة عن تحقيق رغبة طالما كانت في بالي مؤخرًا وهي عمل “بيرسينج” في أذني، مما يعني وضع حلق جديد في أذني بجانب الأول المعتاد وضعه لكل البنات عقب الولادة، فكم أحببت رؤيته يزين مظهر صديقاتي، ولكني كنت متأثرة بأفكار حاكمة حالت دون تحقيق حلمي البسيط المشروع. وقفت مع نفسي ونفضت غبار الموروثات وأخذت القرار، مع وخزة تركيب الحلق الجديد شعرت بسحر الخروج عن النص، وكانت هذه رقصة جنوني الفردية والتي غمرتني بشغف التجربة الجديدة.
أما رقصتي الثانية فكانت “الشوبينج” الشخصي، حيث قررت أن أذهب لأحد محال أدوات التجميل والأكسسوار، وبكل متعة حملت سبت المشتريات، وببطء وخفة تمشيت بين الرفوف أجرب ما يشدني، أختار ما يعجبني، أفكر في صديقة تحب توك شعري فأختار لي واحدة ولها واحدة. كانت هذه رقصة متعتي الخاصة، فأنا هذه المرة أفكر فقط في نفسي لا في أولوية شراء ملابس صغيرتي ولا في احتياجات المنزل الضرورية، ولا حتى كنت أفكر في أهمية ادّخار هذا المال لشراء ما هو أهم، فكانت هذه رقصة متعتي الشخصية الأنانية والمشروعة.
وصلنا إلى رقصتي الثالثة، والتي اخترت مشاركتها مع بعض الأصدقاء، ففيها أمتعت عقلي ووجداني، إذ حضرنا جميعًا ندوة أسبوعية، وكان الحوار حول موضوعات وجودية شائكة. فما أمتع غربلة الأفكار الراسخة وتفنيدها وسماع آراء لم تخطر لي يومًا على بال! وكانت هذه رقصة وجدانية مشبعة ومغيرة لن أنساها.
وأخيرًا رقصت رقصتي الرابعة والأخيرة، مع نفس المجموعة السابقة، إذ خرجنا للعشاء من عربة اسمها “بساطة” في أحد شوارع وسط البلد والتي يملكها مجموعة من الأصدقاء، فأكلت السوسيس والتشيز برجر والسجق وأنا أجلس في الشارع. وهنا ختمت يومي، إذ رقصتْ كل حواسي بتذوق ما لذ وطاب.
هذا اليوم كان بمثابة قبلة الحياة الروحية، والتي زودتني بطاقة لتأدية أدواري اليومية بأكثر كفاءة ومتعة. فستبقى أمتع اللحظات في وسط رتابة هذه الأيام هي رقصاتي الفجائية مع الحياة من حين لآخر.
أتمنى لك رقصة ممتعة ومشبعة ومغيرة.