كاميليا
لا يوجد توقيت أفضل للكتابة عن طقوس البهجة سوى أثناء ممارستها، أكتُب هذه السطور الآن وأنا جالسة في مكان محاط بالأشجار،
بجانبي فنجان من القهوة تداعبني رائحته بدلال، وأمامي أحجار وسلاسل وحبات من الخرز الملون وطفلتي تلهو في أرجوحة ملونة، وفي
خلفية المشهد أصوات ضحكات لأشخاص لا أعرفهم، ولكنني أكاد أجزم أنها ضحكات من القلب جدًا.
لم أكن أعلم أن في جُعبتي طقوسًا مبهجة تذهب لأصحابها دون تدخل مني أو اختيار، إلى أن حدث يومًا واستقبلت الرسالة التالية.
"صباح الخير.. فاكرة أساور اللؤلؤ الأبيض الصغيرة اللي عملتيها لفرحي من 5 سنين؟ النهارده بنتي لبست واحدة منهم في حفلة
مدرستها، وكانت بتقول لزميلاتها، أنا لابسة أسورة ماما السحرية، شكرًا على السعادة الخالصة يوم فرحي ويوم حفلة طفلتي".
صنعت هذه الرسالة يومي، وتذكرت أنّه كان لديّ في زمن قريب صندوق نحاسي سميته صندوق السعادة، يحوي سلاسل من الفضة
والنحاس وبعض حبات اللؤلؤ والعقيق والأحجار الكريمة، بجانب عدة يدوية لصنع الحُلي.. كان ملاذي من العالم لصنع بهجتي الخاصة،
وصنع بهجة مغلفة بحب أناس لا أعرفهم شخصيًا، ألضم الأحجار معًا وأصنع أساور ملونة وأعقاد تزين صدور وأيادي أصحابها.
كانت طقوسي تكتمل بصنع فنجان قهوة محوج من الحبوب المحمصة، أضعها بمقدار لتذوب مع الماء والسكر وتعطيني فنجانًا من السعادة
والمتعة الخالصة.. وأجلس منتشية إلى ما شاء الله من الساعات. أنسى نفسي وأغرق في تفاصيل طقوس بهجتي الخاصة.
فعلت فيّ رسالة الفتاة التي أصبحت أمًا ما فعلت، ذكرتني بهوايتي التي كانت سببًا رئيسيًا للبهجة والسعادة في أيامي السابقة، لا أعلم
تحديدًا متي ولماذا توقفت عن صنع البهجة وإهدائها لمن حولي، كل ما أعرفه أنني عُدت الآن بجعبة ممتلئة بأشكال أكثر من البهجة
والسعادة.. عُدت لورشتي الصغيرة وطقوسي المبهجة التي لا أملّ من صناعتها يدويًا لمن أعرف ولا أعرف.. أرسلها مغلفة برائحة عطر
منعشة أو قطعة حلوي صغيرة أو شريط من الستان الأرجواني الناعم.
يقولون إننا عندما نرسل السعادة والبهجة لشخص ما، فهي تعود إلينا مضاعفة مرّة أخرى في صورة مختلفة، وهذا هو التفسير الوحيد
للحظات سعادتي المفاجئة غير المبررة.. لذا، اخترت أن تصبح هوايتي هي صنعتي الجديدة بجانب الكتابة، ومن لا يرغب في ملء جعبته
بمبهجات الحياة؟!
كانت جعبة جدتي -رحمها الله- لا تخلو من حبات النعناع والحلوى، أينما ذهبت في مكان به تجمّع أطفال، كانت تعطيهم منها وتقول "حلي
بوقك"، كانت تعطيني أنا الأخرى وإخواتي، ورثت منها هذه العادة، وأصبحت أضع شيئًا ما حلوًا في حقيبتي دائمًا.
تحولت هذه العادة بشكل أو بآخر لتأخذ أشكالاً أخرى، صُنع أساور بيضاء للأفراح، سلاسل بدلايات من الزهور والفضة المنقوشة، خاتم
فيروزي أو أقراط نحاسية عتيقة.. المهم أن جعبتي لا تكون خالية أبدًا.. حتى لو من كلمة مبهجة.
ما زلت أتذكر ذلك اليوم الذي تجلت فيه البهجة في أبهى صورها، كنت مشاركة في بازار صغير بقطعي اليدوية البسيطة، جلست أصنعها
وأبيعها في نفس الوقت حتى من يشتري قطعة لا يصبح لها مثيل متكرر، جاءت فتاة صغيرة واشترت أسورة وعقدًا، ثم عادت مع أختها
مرة أخرى لشراء هدايا لصديقاتها، وقالت لي "أنا طايرة من الفرحة، أول مرة فلوسي تكفي أشتري ليّ ولأصحابي حاجات جميلة كده..
أنا فرحانة فعلاً"، وكأنها سكبت في قلبي أضعافًا مضاعفة من سعادتها.
أستعيد هذه الذكريات الآن وأنا أصنع لصغيرتي سوارًا وسلسلة تشبهها، أبتسم وأتذكر أن البهجة المُباعة لا ترد ولا تستبدل ولكنها تنمو
وتكبر كل يوم لدى صاحبها ومُشتريها.