التفاصيل.. التفاصيل.. التفاصيل.. هي دي اللعنة اللي بتطاردني طول الوقت، بس مش كل التفاصيل. التفاصيل اللي تخصني وليها تأثير على حياتي، اللي أقدر أحدد بنفسي تناسبني ولا متناسبنيش، أروحلها ولا أهرب منها بالمشوار، وبناءً عليه بحس إن من حقي التَحَكُّم في كل فتفوتة منها، طالما أنا مَعنية بالموضوع سواء من قريب أو بعيد.
فين المشكلة؟!
المشكلة إن اهتمامي بالتفاصيل (اللي كنت بشوفه من مميزاتي) مع الوقت والحياة المضغوطة ونفوسنا المشحونة وفاضلها تَكَة وتطَلَّع شرار، اتحولت الميزة لشَغَف والشَغَف لإدمان والإدمان لهَوَس، اللي أي زيادة فيه ممكن توصل لجنون!
يعني برضو فين المشكلة؟!
أبسّطهالكم.. أنا مش بس بحب التفاصيل، ومش بس بحب إن كل حاجة تبقى معمولة بالظبط زي ما أنا شايفة لكن كمان بحب أعمل الحاجات اللي تهمني بنفسى ومش بآمن عليها أي شخص، مهما كان عارفني وفاهمني، مهما كان عايز يعمل الشيء بنفس الكيفية، ومهما كان بيحبني.
مش عشان الشخص ده بالضرورة هيعمل الشيء أسوأ مما كنت هعمله، أو عشان أنا أكثر كفاءة، لكن عشان مش هتطمن إلا لو عملت الحاجة بنفسي، ولو حصل أي غلط هبقى متأكدة إني عملت اللي عليّ، وده لا يتنافى مع جلد الذات اللي هيحصل. لكن لو حد تاني عمل الشيء ده وطلع فيه مشكلة هيبقى عندي شعور إنه مُقصّر وإن كان ممكن يكون أفضل من كده، وهتضايق إني معملتوش بنفسي، عشان كده من الأول بعلنها صريحة..
مبحبش حد يعملي حاجتي أو يساعدني.
طيب وده حصل إمتى؟!
الخِصلة دي فيّ من زمان، لكن كنت بسميها مسميات غير مسمياتها، يعني من وأنا طفلة مثلًا مكنتش أحب والدتي تغرفلي الأكل في طبقي ع السفرة، وما زلت مبحبش أي حد يعملي ده، وبيبقى ردي أنا كبيرة وبعرف أغرف لنفسي. مش قلة ذوق ومش بَطَر ولا حتى هَبَل، بس فعليًا تفصيلة صغيرة زي دي ممكن تضايقني وكنت بسميها اعتماد ع النَفس.
الموضوع دخل بعد كده في حتت تانية، وبقيت مبحبش حد يساعدني وأنا بعمل الواجب، مبحبش حد يذاكرلي، مبحبش أدخل في مشروع مع مجموعة إلا لو كنت القائد، لأن لازم أبقى متطمنة إن كل حاجة في مكانها بالظبط. ولو حصل وحد ساعدني ف عمايل أي حاجة لازم أعيدها من الأول وأعملها تاني لوحدي، هو كده! بحب أحس إني أنجزت الشيء كامل بمجهودي، فمحدش ياخد الكريديت بتاع نجاحي ولا آخد كريديت نجاح حد.
أوقات هَوَسي ده كان بيبقى ميزة لَمَّا أتولى تنظيم خروجاتي أنا وصاحباتي من الألف للياء، وطبعًا اللي مصاحب بنات عارف مدى استحالة إنك تظبط خروجة فيها بتاع 10 بنات مثلًا، بحيث الميعاد والمكان يكون مناسب لكل الناس، وده خلاهم يلقّبوني بالأم الروحية للجروب، وده أكيد كان شيء بيبسطني ويرضي غروري في حد ذاته. لحد هنا عادي، الموضوع مش عويص، ولا له آثار سلبية، بالعكس.. كنت بحبه فيّ وشايفة إنه له علاقة وطيدة بإني شخصية قوية ومستقلة.
ولكن…
بدأ الموضوع يبان بوضوح لما اتجوزت وبقى فيه طرف تاني شريكي في الحياة، وقتها أخدت بالي أوي من الموضوع وإني عايزة كل حاجة تحصل بالكيفية اللي أنا شايفاها، اللي مش بالضرورة إنها الأصح لكنها الأحسن بالنسبالي، وفي الوقت المناسب ليّ، يا إما هتضايق وأقريف وممكن كمان أدبدب برجلي في الأرض زي العيال ومش بعيد اكتئب.
بس الحياة مبتمشيش كده، ولو العكس هو الصحيح وشريكي في العلاقة هو اللي نِمَكي وعايز كل حاجة بالمللي على مقاسه كنت هتخنق وأتضايق وأقريف، وممكن كمان أدبدب برجلي في الأرض زي العيال ومش بعيد اكتئب!
ده شغل مجانين بقى!
ثم بقيت أم.. أدى لحدوث تَضَخُم غير محسوب في موضوع الهَوَس ده، حيث إني أصبحت، مش بس عايزة حياتي وحياة جوزي أكون مسيطرة على أبعادها، لأ وكمان بقى فيه كائن تالت لا حول له ولا قوة دخل المفرمة برجليه واتحط تحت إيدي، فبقيت على طول مضغوطة ومشدودة ومش عارفة آخد الأمور ببساطة لما معرفش أسيطر ع الموقف، ولا حتى أستمتع زي الناس، لمجرد إن فيه تفصيلة مظبطتش معايا، وأصبح سلوكي قميء ومُزري وفَصيل موووووت.. آه والله.
هنا كان لا بد لنا من وَقفَة، صحيح مش في كل الأوقات بعرف أفرمل نفسي قبل ما وحش الكنترول اللي جوايا يطلع، لكن أهو بحاول، أو على أقل تقدير من وقت للتاني بفكر نفسي إني لازم أحاول.
ولأن محدش فينا معندهوش هَوَس بشيء/ بفكرة ما، فكل المطلوب منك إنك تعرف هَوَسَك، ثم اقعد قَعدة صدق مع نفسك وشوف هل هَوَسك ده له تأثير سلبي عليك أو على اللي حواليك، لو لقيت الإجابة بأيوه حاول تقنن الموضوع، مارسه بس بشكل صحي بحيث إنه ميزيدش عن الحد، فيتحول معاك لشيء مَرَضي محتاج علاج، مش بقولك تبطّله خالص لأنه أكيد شيء بيسعدك، إلا لو كنت مهووس بالقتل ونفسك تبقى “سيريال كيلر”!
وفي اعتقادي إن الهَوَس بيكون حميد إلى أن يتمَلَّك من الواحد ويسيطر هو عليه، مش العكس، حتى لو كنت مهووس باللي بتحبه، فيا ريت نحاول -وأنا أولكم- إن منخليش هَوَسنا يتحول للدبة اللي قتلت صاحبها، عشان ساعتها إحنا أول ناس هندفع التمن