اللي اتكسر يتصلح

887

وقفت أمام زجاج نافذة سيارتي المُهشَّم أسفل مكان عملي الجديد، البعيد عن كل ما اعتدته. لا أفكر في شيء سوى: من تراني أهاتف الآن؟ من تراني ألجأ إليه كي يخبرني على الأقل ماذا يمكنني أن أفعل؟ هاتفت صديقة، فجاءت على الفور، سألتها ماذا أفعل، فأخبرتني بأن أهاتف أحد زملاء عملي الرجال، ثم وقفت لتنهى مكالمتها الهاتفية مع أحد أصدقائها. لا أنكر احتياجي الشديد لوجود من هو بجانبي في هذه اللحظة، حتى لو لم يفعل شيئًا. ظللت دقائق أصارع أفكاري، أشعر بأن المسافة بيني وبين زملاء عملي الرجال لا تسمح بأن أستنجد بهم لحل مثل هذه المشكلة التي أشعر بأنها ليست بالكبيرة. 

 

أعلم أنني أميل لأن أرمي بمسؤوليتي على رجل ما. أعلم أيضًا أنني أشعر بمشاعر أسرع وأقوى من اللازم -وغالبًا زائفة- تجاه من يتقدم ليأخذ مشكلاتي الصغيرة على عاتقه، لذلك فأنا لا أرغب في طلب المساعدة من أحد الزملاء. أميل كثيرًا لمن هو أكبر مني سنًا، أضخم مني حجمًا، أسرع مني تصرفًا، من لا يقف برهة ليفكر أو ليتحدث، ولكن من يقوم بشيء ما، من يجعلني أشعر أنه لا داعي للقلق ما دام هو موجودًا. من يجعلني أثق أنه سيفعل ما يجب فعله. أشعر بأنني صغيرة جدًا في دنيا كبيرة جدًا. وأن وجودي في مثل هذه المواقف لا يناسبني، إلا ربما في وجود من يمكنه المساعدة.

 

قفز إلى عقلي السؤال الذي كان يدور ببالي كثيرًا عند انتهاء آخر علاقة لي، ماذا لو حدث لي شيء ما في الطريق، من تراني سأهاتف؟ فها قد جاءت اللحظة التي ألوم نفسي فيها وأتمنى الرجوع للوراء. أعلم جيدًا أنه سيقدم لي العون إذا لجأت إليه، فلو كان هنا الآن، لم أكن لأقلق. ثم حاولت تجاهل الفكرة، وأخبرت صديقتي بعدم رغبتي في اللجوء لزملاء العمل، وسألتها ماذا أفعل الآن، فقد كنت أشعر بأن عقلي لا يعمل. فأخبرتني وألحَّت بأن أهاتف صديقًا ما يريد مساعدتي، ولكنني أشعر أن لجوئي إليه قد يورطني في شيء ما لا أريده.

 

طوال عمري وأنا أبحث عن مصدر ثقة ألجأ إليه عندما أحتاج لأخذ قرار ما. شخص ما أشعر أنه دائمًا على حق، أتذكر جيدًا عندما اشتريت سيارتي، وقد كنت للتو قد انتهيت من علاقة كبيرة في حياتي، كنت أبحث كالمجنونة على من يؤيدني الرأي في اختياري لنوع السيارة. أتذكر كم كنت مشوشة حينها ولا أجد من أثق في رأيه. أتذكر أنني أخذت برأي الكثير من الأشخاص حتى أقتنع بقراري. أتذكر أيضًا عندما تركت الشركة التي ظللت أعمل بها 5 سنوات للذهاب لشركة أخرى، وكم كنت أبحث عن مؤيد لقراري، من يخبرني أنني قد فعلت الصواب وأنني لن أندم. لم يكن هناك شخص ما في هذه الفترة، ولكن مشاعري السلبية نحو هذه الشركة هي ما قادتني وأيدتني في هذا القرار.

 

عندما أدركت أن جيوب صديقتي قد خلت من الاقتراحات. وجدت عقلي قد بدأ في العمل ثانية، فوجدت نفسي أبحث في متصفح هاتفي على ورش إصلاح زجاج سيارات قريبة. كما أخبرت صديقتي -وأنا لا أدري كيف- أنها يمكنها الرحيل الآن، فأنا أعلم ماذا سأفعل. كان اليوم ممطرًا وقارس البرودة، ولكنني ظللت أبحث عن ورش تصليح الزجاج في إصرار ودأب أدهشاني، وجدت الزجاج عند أول ورشة توقفت عندها، ولكن الرجل أخبرني أنه مستورد لذلك فهو باهظ الثمن. لثاني مرة وقفت أمام جهلي وفكرت في الحل الأسهل، وهو اللجوء لشخص ما لأسأله إذا ما كان هذا الرجل يستغل جهلي بالأسعار وأنني فتاة بلا رجل، وهممت بالفعل للجوء إلى الصديق الذي أخاف أن أتورط معه. ثم عدلت عن هذا وعدت أبحث على متصفح هاتفي على أسعار زجاج سيارتي. لم أجد ما أريده، فقررت أن ألجأ إلى طريقتي القديمة وأسأل في الكثير من الأماكن حتى أقتنع. 

 

لساعات ظللت أبحث عن الزجاج، بين المطر الذي يجعلني لا أرى جيدًا من الزجاج الأمامي، والطين الذي أسقط فيه كلما نزلت من السيارة لأسأل في مكان ما، والشوارع التي لا أعرفها على الإطلاق، وهاتفي (منقذي) الذي يوشك على نفاد بطاريته. تأكدت أن الرجل يطلب ثمنًا باهظًا، ولكنني عدت إليه لأنني لم أجد إلا عنده، وطلبت منه أن يقوم بما يجب فعله.

 

أصلحت الزجاج المهشم. وعدت إلى المنزل دون أن أخبر أحدًا، رغم إلحاح نفسي عليَّ بإخبار الناس كلها بأنني استطعت وحدي أن أصلحه في مكان لا أعرف فيه شيئًا. ذهبت إلى العمل في اليوم التالي لأجد الطفلة بداخلي تخبر زملائي بما حدث رغمًا عني، وعندما سألني أحدهم: وماذا فعلتِ؟ أخبرته بلهجة من اعتادت فعل هذا منذ قديم الأزل: “صلحته!”.

 

أشكر الله على رعايته لي، فبينما أنا في مكان آخر مشغولة بشيء ما، أرسل هو ما يوقف اللص عن إتمام ما بدأه، وأوقفه عند حد كسر زجاج جانبي صغير فقط. ثم سخَّر لي من يقوم بإصلاحه. وأشكر اللص الذي جعلني أرى أنني لا زلت أشعر باحتياج لوجود شخص ما أثق أنه سيفعل الصواب. وبفضله أصبحت أرى الآن بوضوح أنني أستطيع أن أفعل ما يجب فعله.

 

 

 

 

المقالة السابقةأنا لسة بقاوم عشانك يا مريم
المقالة القادمةوصفتان مختلفتان من المحاشي

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا