في مجتمعاتنا العربية عادة غريبة: أغلب الأطفال نفسهم يبقوا دكاترة، مهندسيين أو ظباط!
كل طفل بيطلع زي أهله إما عشان هم عايزين كده، أو عشان ده الوسط اللي اتربى فيه طول عمره ومحدش نبهه لعوالم أخرى ممكن ينتمي ليها ويُبدع كمان، أو لأن ده اختياره الشخصي المبني على إيمانه إنه عايز يبقى “زي بابا بالظبط”.
بالأضافة لأن ده بيكون ميزة فى سي في جواز الصالونات، علشان كده ناس كتير منتهى أملها أولادها تجيب مجموع كبير وتدخل كلية قمة مجتمعنا بيبَجِّل خَريجها كأنه جاب الديب من ديله!
بعد التخرج فيه ناس بتنجح وتثبت نفسها في شغلها، ناس عادية بتؤدي وظيفتها بروتينية وآلية صمَّاء ،ناس بتفشل نتيجة عدم وجود توائم بينها وبين اللى بتعمله، وأخيرًا ناس بتاخدها من قصيرها ومبتمارسش وظيفتها المُنتظرة لأنها محبيتش دراستها أو مارست شغلها ومحبيتهوش.
النوعية الأخيرة دي مش كتير، ولما بياخدوا القرار ده محدش بيسيبهم فى حالهم وبيهاجمهم أغلب فئات المجتمع خاصة المقربين، لأن تصرفهم ده عكس كل أبجديات المجتمع اللي عايشين فيه.. وبتبقى معركة.
معظم النوعيات اللى بتسيب مجال دراستها وتشتغل فى مجال تانى خالص بيكون عندها ميول فنية لا تمت بأدنى صلة لدراستها العملية، وبيكتشفوا مع الوقت أنهم محتاجين عمل يغذي روحهم مش بس يساعدهم يفتحوا بيت.
ولأن في مجتمعنا الأعمال الفنية مبتأكلش عيش هنا بيقع الشخص فى مشكلة: أكمل شغل بشهادتي وأصرف على اهتماماتي وأمارسها في وقت فراغي –اللي ظروف الحياة بتخليه مش متاح- وللا أرمى سنين الدراسة وأشتغل الحاجة اللى بحبها!؟
التساؤل ده مزعج وإجابته مش بالبديهية المتوقعة خاصة إذا كان اللى بيتسائل ذكر عليه مسئوليات أكتر من اللي على الست فعشان يتجاوب على السؤال ده لازم صاحب القرار –هو وحده- يحدد أولوياته.
على سبيل المثال:-
قبل دخولى الجامعة وقفت محتارة بين الالتحاق بكلية قمة هتفوق فى دراستها العملية وبين كلية أدبية هحب ممارسة شغلها لأنه شبهى. اخترت الدراسة واتفاجئت بعد سنتين ونص أن حتى الدراسة بطلت أحبها! ووقعت فى معضلة أضيع سنتين ونص من عمرى وأدرس حاجة بحبها وللا أكمل السنتين ونص اللى فاضلين وبعد التخرج أحدد هشتغل بشهادتي وللا هدرس حاجة جديدة أو أشتغل شغلانة لاقية فيها نفسي ملهاش علاقة بالدراسة!
كملت دراستي بس اتخرجت وأنا على يقين إنى مش هشتغل بشهادتي لأن شُغلي حاجة مبحبهاش معناه إنى متعلمتش، وأنا لو اتعلمت حاجة واحدة من دراستي فهى إنى معملش أى حاجة مش لاقية فيها نفسي مهما كان المقابل.
وآدينى أهو متخرجة من 7 سنين وحتى الآن بعتبر إن من أفضل القرارات اللي أخدتها فى حياتي قطع علاقتي بدراستي للأبد! حاليًا لا أنتمي لدراستى إلا بالمكتوب فى البطاقة ومش ندمانة ولو للحظة على قراري ده، مش عشان هو الصح بالضرورة لكن عشان دلوقتى أنا متصالحة مع نفسي ولقياها أكتر.
وسط كل الضغوط اللى فى حياتنا وراد جدًا ننسى نعمل اللى بنحبه ولو الفرصة جاتلنا مرة مش لازم تيجى اتنين. والمجتمع اللي بيقولنا خلينا لبكرة.. بكرة لمَّا ييجي هيقولنا معملتوش كده م الأول ليه!
فنصيحة:-
متسمعيش كلام اللى يقولِك حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب، طالما مش هتقدري تعملي ده ولامؤمنة بيه، وإوعى تفكري بس ف الشغلانة اللى تكسبك فلوس أكتر فكري كمان ف الشغلانة اللي تكسبي بيها نفسك. جِه الوقت اللى تحُطى فيه روحك قدام المرايا وتسأليها كان نفسها تبقى إيه لما تكبر.