مش حاسس إن ليّ مكان في الأرض.. أحلى الزهور بتموت مخنوقة من الدخان ومن التلوث.. دي حتى الناس بقت بتتحرش بالزرع وتبني مكانه بيوت.. ومفيش حد قادر يشوفه، وكأنه مش موجود.
الربيع فعلًا زعلان، فكّر شوية وقال: آخد نفسي وأروح مكان غير الأرض، يمكن ألاقي حد يقدّرني ويحس بيَّ، لكن الأرض هتبقى وحشة أوي من غير الخضرة والجمال. مش هاين عليّ أمشي وأسيب الأرض.. دي عِشرة سنين.. طيب أروح فين والأرض والناس اللي فيها مش طايقينّي.. حتى كلامهم عني بقى سلبي.
الربيع لَم شنطته وأخد خَضَاره وسحب كل أوراقه على ضهره وقال يلا بقى نشوفلنا حته تانية.
وهو ماشي لمح طفلة صغيره بتبكي، قرّب منها وقالها: بتبكي ليه؟
قالت: الوردة بتاعتي ماتت.. وقالولي إن ربنا هيبعتلي وردة غيرها مع الربيع.. لكن النهارده سمعت إن الربيع مشي، ومفيش زهور ولا ورد تاني هييجي لأرضنا.. تفتكر الأرض ممكن تبقى جميلة إزاي من غير الربيع؟ تفتكر الربيع ممكن يرجع تاني ووردتي ترجع للشجرة تاني؟ هل ده ممكن يحصل؟
تعجّب الربيع وسأل الطفلة: طيب مقالوش ليكي ليه الربيع مشي؟
الطفلة: أيوه قالوا، قالوا إن الربيع أناني مش بيحب غير نفسه؛ لًم كل الزهور والخضرة ومشي.
الربيع اندهش من رد الطفلة وقال: لأ الكلام ده كذب، الناس هي اللي أنانية مش بتحب غير نفسها، بتتحرش بالخضرة وبتجرّف الأرض وبتحارب الطبيعة.
قالت الطفلة: لأ الربيع هو الأناني، أخد زهرتي وموّت زرعتي ومشي.
بكت الطفلة ومالت على زرعتها الناشفة وقالت: حتى اسأل الزرعة بتاعتي.
اتأثر الربيع من بكاء الطفلة.. ومال على الزرعة الناشفة، وبلمسة سحرية نفخ نسمة، اتحولت الزرعة الناشفة للون الأخضر وظهرت وردة بيضا جميلة، اندهشت الطفلة ورفعت نظرها وقالت: إنت مين؟
ضحك الربيع وقال: أنا الربيع.. مش ممكن أشوف دموعك ومتأثرش، كان لازم أعرف إن لسه فيه قلوب حلوة زي قلوب الأطفال، بتَقدّر وجودي وبتتمنى إني أفضل في الأرض.. فَرد الربيع خضرته ونشرها ملت الدنيا وطرحت الأشجار زهور جميلة.. ونسيم الورد غطى المكان.. ضحكت الطفلة وضحكوا كل أطفال المدينة.
وابتسم الربيع وقال: كفاية عليَّ قلوب الأطفال البريئة اللي لسه مصابهاش التلوث.
يمكن تكون إنت زي الربيع زهقت من الناس.
محدش حاسس بيك.
لكن مش هتلاقي السعادة والابتسامة إلا إذا رسمتها إنت الأول على وشوش الناس.