قابلت العديد ممن تعرضن لحادث مؤلم، كان يتكرر بمعدل كبير في الزمن الماضي القريب، وهو “ختان الفتيات”، سمحن لي بفتح هذا الجرح القديم على استحياء، وبدأت أستمع لقصص كثيرة تبدو مختلفة في تفاصيلها، ولكنها متشابهة في وقعها على مشاعرهن. حاولت دمج رؤيتهن القديمة للحدث مع رؤيتهن الحديثة في حياتهن الحالية، مع إضافة شرح مبسط للأثر النفسي عليهن في سن الطفولة، وتبعات هذا الأثر في الكبر، سواء لفتيات تزوجن أو لم يتزوجن.
ماذا يدور في عقلهن؟ وبماذا شعرن وهن أطفال أثناء عملية الختان؟
تُربَّى الطفلة على أن لديها عضوًا ممنوع الاقتراب منه، وممنوع أن يراه أحد، وتلك المعلومة ضرورية ليفرقن أنها أماكن خاصة جدًا، وهذا يتناقض تمامًا مع الشكل الذي تُقام به عملية الختان، فهو كشف كامل لتلك المنطقة، مع تعرضها لألم جسدي يدوم لفترة.
اقتحام لما تربَّين على أنه خاص، ليبدأ سؤال “كيف تكون هذه المنطقة في جسدي خاصة جدًا ومباحة جدًا في نفس اللحظة؟! سؤال لن تجد الطفلة إجابة له، فيتحول من مكان خاص لمكان مخجل جدًا.
وهذا ما قالته “م”: “أول ما كشفوني كنت خايفة قوي، حسيت إني مكسوفة من كل اللي حواليا، لا كنت حابة أتكلم ولا أشكي حتى من الوجع، كنت خايفة ومكسوفة بس”.
تعرفي على: زوجتي مختونه ماذا أفعل! الختان والبرود الجنسي
أما عن “ب” فقالت: “كل اللي كنت حاساه هو الألم، ومش عارفة ليه بيعملوا فيَّ كده!”.
وكانت “ج” تصف المشهد بكل تفاصيله حتى توقفت عند جملة “أنا كنت بتألم وهم بيباركوا”، ثم تابعت: “حسيت بكسرة نفس؛ محدش فيهم اهتم بألمي”.
استمعت لقصص الكثيرات ولكنهن اجتمعن على ثلاثة مشاعر مهيمنة على الحدث “خوف، ألم، كسرة نفس”، هذا ما يتركه المشهد في تاريخهن، وهذا ما يدور داخل كل طفلة تتعرض لتلك العملية، فلا هن يرين مستقبلهن ولا هن يدركن تبعات هذا على حياتهن وعلاقتهن بأجسادهن، ولكن إن كان هناك أحد يرى أنهن أطفال ولن يؤثر حدث بسيط كهذا عليهن، فتلك المشاعر كافية لتقول إنهن تعرضن لصدمة كبيرة لن يعود الزمن ليمحوها.
ماذا يدور في عقلهن؟ وبماذا شعرن بعد عملية الختان؟
تختلف نظرة الطفلة الصغيرة لهذا المشهد عن نظرتها بعد فترة، سواء في المراهقة أو النضج، فمع مرور الوقت يظهر المشهد بشكل أوضح، تبرز المشاهد المؤلمة، ويتحول الألم الجسدي إلى نفسي، والخوف إلى قلق، وكسرة النفس إلى حيرة، فتحاول إيجاد تفسير مريح أو مسكن لألم نفسي قديم وله جذور، مسكن لصورة ذاتية مشوهة عن الأنوثة.
يفسر علم النفس الصورة الذاتية للفرد أنها صورة يكتسبها من البيئة التي يُربَّى فيها، فلو كنا نتحدث عن الصورة الأنثوية لكل فتاة، فهي صورة قديمة قد اكتسبتها من كيفية التعامل مع أول عرَض من أعراض الأنوثة، وهو العضو التناسلي، فماذا لو اقتحمنا هذا العضو بكشفه وتعريضه للألم؟ ما هي الرسالة التي تصل لتلك الفتيات؟
تقول “د”: “لما بفكر في المشهد ده بشوف نفسي زي الدبيحة، دبيحة بياخدوها ويكتفوها ويدبحوها”.
وتخبرني “أ”: “هم شوهوني، أنا بحس إني ست مشوهة”.
وحاولت “ه” وصف أفكارها بدقة فقالت: “فكرتي عن نفسي إني حد ناقص، مش في كاملة أنوثتي، أو إن أنوثتي دي حاجة مش حلوة قوي يعني وكان لازم يحجموها”.
واختلفت أقاويلهن عن المسكنات النفسية التي يسكنَّ بها هذا الألم، ما بين:
– الإنكار.. إنكار هذا الألم ودفن الحدث وكأنه لم يكن.
– التحويل.. أي تحويل مشاعر غضبهن تجاه الأهل بالتعامل العنيف أو الجاف.
– اللوم.. لوم أنفسهن على أي مشاعر غريزية، والشعور بالعار كونهن نساء.
– العدوانية.. ممارسة عدوان على أنوثتهن وقمعها.
– التقمص.. تقمُّص الدور الذكوري كبديل للأنوثة المخجلة.
– التعويض.. تعويض النقص الذي يشعرن به بإبراز مفاتنهن بشكل ملفت.
وكثير من المحاولات غير الصحية لإيجاد منفذ لغضب وألم قديم لا يصمت، بل يأخذ أشكالاً أخرى.
كيف تؤثر عملية الختان نفسيًا على علاقتهن الجنسية؟
بالحديث عن شعورهن تجاه العلاقة وأفكارهن عنها، فتختلف من حالة لأخرى من حيث الشدة، وذلك باختلاف الخبرات التي دعمت بشكل سلبي أو إيجابي مشهد التعرض للختان، وأيضًا بتفهم الزوج وتعامله، ولكنهن يتشابهن في شعورهن بأن هناك شيئًا ينقص أنوثتهن.
فتقول “ع”: “أنا كنت بخاف جوزي يقرب من المنطقة دي تمامًا، كانت بالنسبالي منطقة ألم”، ثم تابعت مشيرة إلى زوجها “هو تعامل معايا برحمة وتفهُّم، ممكن أكون لسة بخاف، لكن أكيد مش زي الأول”.
وقالت “د”: “أنا معرفش إذا كان فيه متعة ناقصاني ولا لأ، يمكن فيه مشاعر تانية كان ممكن أحسها، لكن أنا معرفهاش وهفضل مش عارفاها”.
أما “ج” قد مرت بتجارب أسرية وزوجية عنيفة جدًا، عنف نفسي رسَّخ لديها شعور عدم الاستحقاق، حتى أنها فاجأتني وقالت: “هو المفروض الست أصلاً تتبسط في العلاقة؟! أنا معرفش عن العلاقة غير إنها حاجة مؤلمة وببقى عايزاها تخلص”، وعندما سألتها إن كان لديها شعور بارتباط عدم رغبتها في العلاقة بالختان، قالت: “أنا اتربيت إن المكان ده عيب وحرام، إزاي يبقى فيه منه متعة؟!”. وتابعت الحديث عن زوجها “كان مبسوط في الأول وشايف إني كده محترمة، دلوقتي بيقول إنه نايم جنب صاحبه”.
كانت قصصهن جميعًا مؤلمة، حى من تحدثت بشيء من التصالح مع النفس، ولكنهن اجتمعن على أنها كانت تجربة قاسية، لن يوافقن على أن تمر بها بناتهن، ولن يعرضن بناتهن لخوف وألم وكسرة نفس، كتلك التي تعرضن لها، ولن أجد افضل مما قالته “د” لختام الحديث:
“أنا اتحفر جوايا تفاصيل المشهد وخوفي ووجعي، ولو عاد بيَّ الزمن كنت قلتلهم وقتها ارحموني، فأنا مش هعمل كده في بنتي، هرحمها من ألم عمرها ما هتنساه”.