التسامح يحيي كل جميل

516

يا فتاة..

إن لكِ قلبًا غُلّف بالعتمة

يسبح مع الليل في السواد

لا يعرف النسيان.. ولا يؤمن بالتسامح

يلتقط الأخطاء ويراكم الإساءات

أكاد أجزم بانفجاره قريبًا من الكُره

يا فتاة..

أفيقي.

*******

 

أخبرني أحدهم أن للأفيال ذاكرة قوية، وأنا لي ذاكرة قوية حقًا كالأفيال، وهب الله لأبي تلك القدرة العجيبة وأورثها لبناته جميعًا.. أتذكر أحداثًا منذ كان عمري سنة ونصف وشخصيًا منذهلة من هذا! في الموقف أمكث أراقب التفاصيل والإيماءات والأعين وحركات الأشخاص، أتذكر الأماكن والأزمان الشاهدة على مواقف في عمري الطويل نسبيًا.. ولا أنسى، أبدًا لا أنسى، لا أرتاح في منتجعات النسيان ولا حق لي في تذكرة الدخول حتى.. متيقظة متنبهة دومًا خاصة عند الإساءات.

 

لم أختبر يومًا التسامح الكامل، ذلك الشعور بأن قلبي خفيف وروحي أكثر خفة.. أستطيع اكتناز الكُره وتخزينه، فأنا أحب حد الامتلاء وأكره حد الامتلاء.

أذكر كل موقف إساءة، كل موقف تجاهل، كل موقف تخاذل، كل موقف محبط، كل موقف مذلّ.

مع التذكر تأتي الضغينة ويبتعد العفو ويُظلم قلبي أكثر.. ولا أرتاح.

 

******

موقف 1:

ألا أدام الله صديقة عمري سندًا وحبًا؟!

دومًا معًا على الحياة وفي الحياة، لم أملك مثلها يومًا ولن أملك.. فحافظت عليها كهدية ثمينة منحني الله إياها في إحدى نفحات عطفه.. وعلى الرغم من كل احتياطاتي أضعتها في لحظة هفو منها ولحظات جنون مني.. قسيت عليها بالكلمات، أنّبتها على هفوتها في حقي.. وقررت أن أخرجها من حياتي إلى الأبد غير مكترثة بمزهرية الصداقة التي حافظنا على ورودها من الذبول، ابتعدت وأغلقت بابي في وجهها أكثر من مرة حتى ذهبت عني وتركتني أراهن نفسي على عدم الضعف أمامها.. على عدم الرجوع في قراري.. على عدم مسامحتها يومًا.

 

موقف 2:

قرر القدر يومًا أن يجعل منها قريبة عائلية جدًا، بتنا صديقتين رغم الاختلاف في كل شيء بيننا.. تعاهدنا على رباط صداقة كان بالأمس قويًا، وصار اليوم أوهن من الخيط الرفيع بعد أن تكلمت عني بالسوء من وراء ظهري، وحين اكتشفت انتقمت.

 

صرنا غرباء رُغم القرب الشديد بيننا في الحياة العائلية.. لا تتقابل أعيننا ونجلس صامتتين كالجبال في أي مناسبة عائلية، نتحاشى بعضنا على الطرقات ولا نلقي حتى سلام الله.

مر عام وبقيت الحال على ما هي عليه، شاعت خلاله طاقة سلبية بيننا، تحتل أرواحنا وأرواح كل ما تهامس علينا، متسائلاً ما الذى حدث بينهما؟!

*******

 

حين تحمل بداخلك ضغينة تذكر جيدًا أنك أيضًا من يحمل السم“*

****

 

كلما حاولت أن أتخذ قرارًا بالغفران، أعرف من داخلي أنني لست بتلك القوة الجبارة التي تجعلني قادرة على تطويع مشاعري السلبية تجاه شخص ما وإيجاد مسار مضيء لها، تتحول من خلاله إلى مشاعر إيجابية مقبولة.. “العفو يتطلب قوة أكبر من الانتقام” أؤمن بتلك المقولة ولكن من قال إنني أتمتع بتلك القوة؟!

 

النفس البشرية تبحث دومًا عن الدراما الكافية لتجعلها تغرق في الضغائن والكره وحب المتعة التي يخلّفها الانتقام، والراحة التي تستشعرها بعد أن تعرف أنها استردت حقها من المسيء إليها.. ثم تبحث عن دراما الندم وتغوص في بحر من الأحلام المؤنبة والمَعاتبة لما اقترفته.

 

وكنفس بشرية قد تحاول أيضًا أن تجد مخرجًا من المبررات كفيلة بأن تجعلها تتراجع عن قرار العتاب والعفو، وعندها تبدأ دراما العند الذي يمنعها من التماس الأعذار أو أن تبدل الأدوار وتضع نفسها مكان الآخر علّها تتفهم دوافعه.

 

في ذلك المربع الدرامي (الانتقام، التأنيب، التبرير، العند) خضت تجارب عديدة انتهى أغلبها إما بخروج الشخص من حياتي أبديًا، أو تجاهل ما حدث منه والتعامل معه ولكن بمشاعر زائفة وابتسامات تحمل وراء ظهرها بغضًا ينتظر بحرارة إساءة أخرى.

 

*****

إن استطعت أن تتقبل إساءة صديقً لك، وتتقبل أيضًا أن له حسنات قد تغفر سيئاته وأخبرته بذلك، فليس عليك بالضرورة أن تتوقف عن كونك صديقًا له، ولكن إن لم تستطع فأطلق سراحه كصديق، ولكن بدون البقاء على أي ضغائن تجاهه أو القلق حول كونه سيظل غاضبًا منك“.*

 

****

هل سامحت؟

استطعت مسامحة صديقتي وأخرجت نفسي من المربع الدرامي بعد أن اعترفت لنفسي بأخطائي قبل أخطائها، وسامحت نفسي بعد أن غفرت لي قسوتي تجاهها، وبت أحرص عليها أكثر من ذي قبل.. فصداقتها كانت أقوى من مشاعر الكره والعند التي تحكمت بي.

 

هل نسيت؟

لا.. لم أنس ولن أفعل يومًا، فذاكرتي لن تسمح لي بذلك، وتلك هي نقطة عجزي الوحيدة.

 

أما قريبتي فلقد أطلقت سراحها بعد أن أدركت أنني لن أنسى ولن أسامحها بشكل كامل، فقط حاصرت غضبي الشديد تجاهها وكففت عن كرهها.. يعرف الله جيدًا أن لي طاقة ولقد استنفدتها في إيجاد منطقة سلام بيني وبينها نعامل فيها بعضنا بعضًا بتحضر واحترام.

 

إدراكي أن التسامح قد يحيي كل ما هو جميل في علاقاتنا مع الآخرين كان البقعة البيضاء التي تسللت إلى قلبي الذي اتهمته دومًا بالسواد، ولكن إدراكي بأن لي حقًا في كوني نفسًا بشرية بعيدة عن المثالية كان أهم.

 

قد أجاهد الكُره الذي يؤدي إلى الانتقام، ولكن ليس عليّ أن أجاهد عدم قدرتي على الغفران إن فشلت في الوصول إليه، فقط أضع نصب عيني أن لا أحقد.. أن لا أكره.. أن لا أنتقم.

 

* اقتباسات مترجمة من مقال “تعلم كيف تسامح أي شخص على أي شيء“.

لينك المقال: أضغط هنا 

 

 

المقالة السابقةلم أعد الغريبة التي لا تُشبه أحدًا
المقالة القادمةهو الجواز الحلو ولا وحش؟ ما هي مقومات الزواج الناجح؟ وما هي مواصفاته

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا