عزيزي المقابل لجسدي في النصف الآخر من الكوكب، تحية طيبة وبعد..
تعلم بالتأكيد كون هذه رسالتي الثانية لك، فرسالتي الأولى خطيتها في سن الحادية عشر، بعد أن علمت يقينًا أني لن ألتفت شغفًا لأي من قرنائي بالمدرسة، ولم ينجح ابن الجيران بجعلي أبتسم حتى، فشكوته لأبي ليوقفه عند حدوده، وربما أصبته بعقدة من الجنس الناعم الآن.
صار من الصعب يا رفيقي المستقبلي مشاركة صديقاتي نوادرهن العاطفية ومغامراتهن الساذجة، لاقتناص النظرات بالفسحة. وعليه أقنعت نفسي أن السبب يكمن في كون هذا ليس بالحقل الجيد لزراعة بذور حبي، وبالتالي عليَّ أن أنتظر ظهورك، وحينها سيكون كل شيء مقنعًا ومنطقيًا بما يستحق خوض التجربة.
خطيت رسالتي الأولى على ورقة “فلوسكاب” اقتطفتها من كشكولي السلك غالي الثمن، والغالي على قلبي كذلك، والذي أحتفظ به لكتابة مواضيع التعبير إرضاءً لمعلمتي، وأول من اكتشف موهبتي بالكتابة، بينما حبوته بنكهة أكثر خصوصية، حين خطيتها بقلم أبي الباركر، الذي أهداني إياه مكافأة لكوني فتاته التي تهوى الكتابة. كانت أول رسائلنا تستحق، ولذا أحطتها بكل هذه العناصر الثمينة.
كتبتها أناجيك أن تظهر يومًا ما، شرط أن أكون مستعدة وناضجة بشكل كافٍ، حتى أستوعب كونك أنت هو أنت! أخبرتك في خطابي كذلك وجوب تجمُّلك بابتسامة ساحرة، لأن هذا مفتاح مُجرَّب لقلبي، وعليه فلتكن لعينيك لمعة مميزة عندما تنظر إليَّ دون غيري، وهكذا تجتاز اختبارك الأول للفت انتباهي، أخبرتك بوجوب احتوائك لغضبي وأن تكون بالرحمة والتفهم الكافيين لتناقشني، دون رغبة تعنتية بأن تكسب النقاش، فلست عنيدة لأتركك تكسب نقاشنا، ولكن سأشعر بكونك غبيًا تهوى الفوز، بينما أستمتع أنا بالنقاش ذاته.
سردت عليك كذلك -في حال نسيانك- وجوب إتقانك لإلقاء الحواديت (هذا غير قابل للنقاش) فستعلم لاحقًا مشكلتي العضال مع أفكاري المتسارعة التي تصيبني بتوتر قبل النوم، فلا يسكتها إلا أن أشيح بناظري عنها عبر تركيزي في تفاصيل أخرى تستحق الالتفات، وبالتأكيد حكاياتك ستخبرني بأجزاء خفية عن روحك، وستستحق التفاتي بالتأكيد. أخبرتك كذلك كوني سأنتظرك، ولكن رجوتك كذلك أن لا تطيل حتى لا أفقد الأمل في ظهورك، وأتكيف مع وحدتي، ويصير ظهورك ليس له زهوه الكافي.
حينها كان عقلي الطفولي يخيل إليه أن الواقع يشبه قصص الأفلام الجميلة ذات النهايات السعيدة، حينها أغمضت عينَي وألقيت بخطابي من شباك غرفتي، متخيلة أن الهواء سيحمله بعيدًا ويصل به إليك، أو إلى الله، ربما ليرتب بحكمته الكافية تدابير لقائنا.
الآن وبعد فارق زمني حباني بصورتي الحالية لنفسي، والتي أحبها كثيرًا، فلتعلم أني لا زلت أبجِّل فكرة كونك تنتظر ظهوري، ولن أخفي عليك أني مررت بتجارب فاشلة غير فخورة بها، ولكن ستتفهم أني قد توهمت كونهم أنت في كل مرة لتشابههم معك بالقليل، وتغاضيت عن نواقصهم الظاهرة الكثيرة. كنت أعتقد هذا التغاضي هو النضوج الذي يخبروننا عنه، كوننا لن نجد أبدًا ما نصبو إليه تمامًا كما نتمنى، أخبروني أن عليَّ أن أقدم تنازلات وتنازلات، ثم المزيد من تنازلات.. استُهلِكت يا عزيزي وأنا أحاول أن أصنع من الحجارة ذهبًا والفسيخ شربات.
قد تكون كلماتي هذه صادمة، ولكن سامحني، فقد قررت أن لا أنتظرك بعد الآن، وإن كان مقدر لي شيء آخر غير الوحدة التي أتوقع أنها الوحيدة القادرة على احتوائي، إذًا فليكن لقاؤنا صدفة غير منتظرة وغير مرتبة، فأنا أحب المفاجآت والصدف السعيدة.
نهايته وحتى لا أطيل.. فحتى نلتقي مصادفة، أعدك أني سأحبني وأعرفني حق المعرفة، فحينها سأعرف ما أستطيع أن أعطيه لك، وأعرف ما أحتاجه بالتحديد منك، وما أستطيع التنازل عنه، وما لن أقوى على التزحزح ولو خطوة واحدة للخلف به.
ملاحظة.. كن لطيفًا قدر الإمكان، فتكفيني قسوتك في التأخر لكل هذا الوقت حتى تظهر، وسماحك لهم بالتشبه بك الذي لا يُغتفر، لا تتخلَّ عن مميزاتك لمخلوق يا عزيزي حتى أجدك دونًا عنهم بسهولة، فلقد جعلت مهمة إيجادك صعبة أيما صعوبة، خصوصًا بين كل هؤلاء الكاذبين متقني التمثيل والتجمل.. هكذا فلتكن مختلفًا بطريقة محببة، فأنا لا زال لديَّ بواقي قدرة على الانبهار وسأستبقيها لك، فالبقية مملون لا يحركون بي ساكنًا.
حتى نلتقى سيكون جدول أعمالي حافلاً بمحاولات أذكى لمعرفتي وإسعادي وإنجاح محاولاتي للتعايش والتصالح، حينها سنضحى قادرين على خلق صفحة جديدة لنا معًا. كن بخير ولتشتَق إليَّ ما استطعت إليه سبيلاً.