قصة فيلم Whiplash: ما لا تعرفه على التعلم واتباع الشغف

4072

سيظل المشهد الختامي من فيلم whiplash عالقًا بذهني، بضربات البطل على آلة الدرامز، وقد بدا وكأنه جزء لا ينفصل عن آلته، وقطرات العرق والدم المتناثرة أمامنا تخبرنا كل شيء عن رحلة التعلم الممتزج بالألم، الألم النفسي والجسدي والعقلي. الألم الذي يتحول أمامنا على الشاشة (حرفيًا) إلى قطرات من الدماء والعرق.

فيلم whiplash فيلم عن الشغف، الشغف الحقيقي الذي جعل بطل الفيلم يتخلى عن كل شيء في سبيل الوصول لهدفه، وينسى كل شيء آخر في حياته، يصبح كالمجذوب، لا يرى شيئًا طوال الفيلم سوى هدف وحيد، أن يصبح عازف درامز عظيم.

ما هو الشغف؟

كثيرًا ما نتحدث عن فقدان الشغف، عن عدم قدرتنا على بذل الجهد ﻷننا فقدنا الشغف. نتحدث عنه باعتباره مجرد محبة ما نفعله. لكن ما هو الشغف؟

الشغف لا يحتفي بالموهبة، فالموهبة مجرد منحة، بصيص من الأمل في بداية الطريق، لكن الموهبة وحدها لن تصنع النجاح. الشغف هو ما كان يفعله بطل الفيلم، هو تخليه عن كل شيء، عن حبيبته، وأصدقائه وراحته. هو هذا السعي المستمر ﻷن يصبح الأفضل، هو تحديه الدائم لذاته وقدراته. هو المثابرة، وبذل العرق والدماء -حرفيًا- في سبيل أن تصبح الأفضل، هو السعي نحو الكمال.

المشهد الختامي

ملحوظة (تحتوي الفقرات التالية على حرق لأحداث الفيلم)

الفيلم من تأليف وإخراج دميان تشازل، وبطولة مايلز تيلر وجي. كي. سيمنز.

رحلة العظمة

يحكي الفيلم قصة آندرو نيمان، الطالب بواحد من أفضل وأهم المعاهد الموسيقية في نيويورك. والذي يطمح ﻷن يصبح لاعب درامز عظيم. ينضم إلى فريق تيرنس فليتشر، والذي يمثل صورة المعلم القاسي، فيتعمَّد أعلى درجات القسوة والعنف تجاه آندرو وبقية أعضاء الفريق، سواء العنف النفسي أو اللفظي أو الجسدي حتى، إذ يصل به الأمر ﻷن يلقي بمقعد على البطل “آندرو” في أحد المشاهد، ﻷنه لا يسير على الإيقاع.

لكن آندرو لا يتوقف، يتدرب بلا توقف، ويتخلى عن حبيبته لاعتقاده بأنها تعطله، وتظل العلاقة بينه وبين معلمه فليتشر على حافة التوتر طوال الفيلم، ما بين غضبه منه، وسعيه ﻹثبات تفوقه، حتى تصل إلى ذروتها.. ففي طريقه إلى إحدى المسابقات، يتعرض آندرو لحادث، لكنه يصر على الذهاب ويصل إلى المسرح وهو مصاب، فلا يتمكن من العزف جيدًا، وهو ما يؤدي بفليتشر لطرده، ليهاجمه آندرو على المسرح، ما يؤدي إلى طرده من المدرسة.

لقد أدى أسلوب فليتشر العنيف في السابق لانتحار أحد طلابه، هذا ما سيعرفه آندرو عندما تتواصل محامية هذا الطالب معه وتطلب منه الشهادة ضد فليتشر، وهو ما يتسبب في إيقاف فليتشر عن التدريس.

بعد فترة يلتقي الاثنان وتدور بينهما محادثة، يكشف فيها فليتشر عن أنه يتبع هذا الأسلوب ليضغط على تلاميذه كي يُظهِروا أفضل ما لديهم. ثم يدعوه للعزف معه في فرقته.

لكن في اليوم الموعود يتضح أن هذه الدعوة ما هي إلا مخطط انتقام، إذ يخبر فليتشر آندرو أنه يعلم بأنه من شهد ضده، وهذا هو انتقامه، حيث يقود فليتشر الفرقة لعزف مقطوعة جديدة لم يعطِ آندرو نوتتها الموسيقية كي يحرجه. لكن آندرو لا يتوقف، ليبدأ في وصلة عزف منفرد، في واحد من أجمل مشاهد النهايات. ليمنحه فليتشر أخيرًا إيماءة الرضا التي انتظرها.

اقرئي أيضًا: ما هو فقدان الشغف؟ هل فقدان الشغف أسوأ من الاكتئاب؟

لا سقف للأحلام

There are no two words in the English language more harmful than: good job

كانت هذه هي العبارة التي رددها فليتشر.

إن اعتقادنا بأننا وصلنا إلى ما نريد/ نجحنا/ حصلنا على الشهادة/ أنهينا تعليمنا هو بداية النهاية.

من المهم بالتأكيد أن نقدر نجاحاتنا، لكن رحلة التعلم لا تعرف الاستقرار. إنها سعي دائم، محاولات لا تتوقف للتحسين. ما يجعلك مختلفًا هو سعيك ﻷن تكون الأفضل، لا لأن تصبح جيدًا فقط.

نقرأ الكثير حول أهمية الاستقرار، لكن أحيانًا يتحول الاستقرار إلى موت جديد، تتحول الـ”كمفورت زون” إلى مقبرة للطموح وللشغف، وخط نهاية للسعي.

whiplash
poster of whiplash

تعرفي أيضًا على: التعلم والكورسات ما بين الشغف وحجة تأخر سن الزواج

اعرف القواعد.. كي تكسرها فيما بعد

لقد خُلِقت القواعد لنكسرها. فلنفكر معًا: ما الذي سنصل إليه إذا اتبعنا القواعد التي اتبعها الآخرون؟ ربما نصبح ناجحين مثلهم. لكننا سنبقى مثلهم، أشخاص ناجحون بين مئات الناجحين. ما يجعلك مميزًا حقًا هو أن تعرف القواعد ثم تتخطاها، وتصنع قواعدك الخاصة. لقد أراد بطل الفيلم آندرو أن يصبح عازف درامز عظيم، لا مجرد عازف ناجح، ودفع الكلفة كلها. وسار في مختلف الطرق، وطرق جميع الأبواب.

هذا ما يفعله من يسعى خلف النجاح والعظمة. جرب دائمًا طرق أبواب مختلفة، والسير في طرق غير معتادة، ربما تفاجئك النتائج بأكثر مما كنت تطمح إليه.

كيف نتعامل مع الألم؟

تطالعنا أحيانًا جملة “التعلم ممتع”. ربما تكون المعرفة الناتجة عن التعلم، واكتشاف الأشياء الجديدة كلها أمور ممتعة، لكن عملية التعلم نفسها عملية مؤلمة ومرهقة، وكلنا نعرف ما يتخلل رحلة التعلم من صعوبات وعوائق، وما تخلفه هذه الصعوبات من آلام، سواء نفسية أو مادية أو جسدية حتى.

كل هذا الجهد الذي نبذله، والأموال التي ننفقها، والوقت وحرق الأعصاب والتخلي عن أمور كثيرة، في سبيل الوصول إلى هدفنا. الصداع وإجهاد العينين بعد قراءة عشرات الصفحات للخروج بمعلومة أو اثنتين. أيًّا كان المجال الذي تتعلمه، فعملية التعلم عملية شاقة يصاحبها الألم دائمًا. لكن ما جعل بطل الفيلم مختلفًا هو ردود أفعاله أمام الآلام التي تعرض لها.

لن نستطيع إيقاف الألم، ولا يوجد طرق مختصرة تبعدنا عن العوائق، لن نستطيع التحكم في الظروف التي تقابلنا، لكننا نستطيع أن نتحكم في ردود أفعالنا نحن.

اقرأ أيضًا: كيف يحسن التعلم الذاكرة ويحميك من أمراض الشيخوخة

دوائر الدعم

في رحلة أندرو خلال الفيلم، رأينا نوعين من الدعم، دعم حبيبته نيكول التي رأى أنها تعطله فقرر التخلي عنها، ودعم أبيه غير المشروط، والذي استمر معه حتى النهاية. في أحد الحوارات مع المخرج أشار إلى أنه يعتقد أن آندرو سيموت وحيدًا في الثلاثينيات من عمره رغم تحقيقه لهدفه. ربما أخطأ آندرو بتخليه عن حبيبته. لقد كان وجود نيكول يخلق نوعًا من التوازن في حياته، والذي وصل بدونه إلى حد الهوس، لكنه كان محظوظًا بوجود أب ظل يدعمه حتى مشهد النهاية. اعرف مصادر الدعم في حياتك، والجأ إليها ولا تتخل عنها.

ربما تختلف مع آندرو حول اختياراته، ربما نرى أنه كان متطرفًا في سعيه الشغوف وتخليه عن كل شيء آخر، ربما نفكر أنه لا شيء يستحق أن نتحمل في سبيله كل هذا الألم. لكن رحلته بالتأكيد ستظل ملهمة.

 

المقالة السابقةسالمونيللا أو You أو كيف تجعلك الميديا تتعاطف مع الجاني
المقالة القادمةالحب عند الأطفال واللغات التي يستخدمها في التعبير عن حبه

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا