نوبات القلق والذعر.. مشاعر خلقت فيَّ الجحيم

707

يُعرِّف علماء النفس القلق على أنه خبرة شعورية غير سارة، تصيب الإنسان عندما يشعر بتهديد لا يستطيع تحديد مصدره، فيشعر باضطرابات قلق غير مريحة، ناتجة عن التغيرات الفسيولوجية والنفسية.

 

والقلق يعتبر شعورًا مختلفًا عن الخوف، فالخوف هو وسيلة دفاعية ضد مخاطر موجودة بالفعل، أشياء تعلمها وتدركها، ببساطة كخوف أم على طفلها الذي تعلم المشي حديثًا بعد أن وقع لأول مرة وارتطم رأسه بالأرض، أو ذلك القلق البسيط عندما تهبط سلالم منزل قديم متكسرة، أنت تعرف السبب، وينتهي خوفك بانتهاء الموقف المسبب له، أي أنه شعور ناتج عن موقف في الوقت الحالي ولا يستمر إلى المستقبل. أما القلق فهو شعور أعم وأكثر إرباكًا، إحساس مستمر بالخوف يصل حد الرعب والفزع من شيء أو عدة أشياء غير حقيقية، ولكنك تتوقع حدوثها في المستقبل.

 

مشكلة القلق أنه من الأمراض النفسية التي تأتي مصطحبة معها العديد من الأعراض الجسمانية، والأفكار النفسية شديدة السلبية، مما يجعل نوعية الحياة تتخذ منحى سلبيًا تمامًا، وتجعل المتعايش معه غير قادر على تأدية أبسط متطلبات الحياة، نظرًا لانشغال مريض القلق والتوتر الدائم بالأفكار غير المنطقية بالنسبة للآخرين، والتي تحول حياته إلى جحيم لا يستطيع تحمله.

معايشة القلق

لوحة الصرخة للرسام النرويجي إدفارد مونش

 

 

لقد مررت بتجربة التعايش مع اضطرابات القلق ونوبات الذعر، ومحاولة التعافي منه، والتي لم تكن سهلة على الإطلاق، خشيت

اللجوء للعلاج الكيميائي النفسي، وكان الخوف من الأدوية أحد نتائج حالة الخوف تلك، والتي اصطحبت معها العديد من الوساوس القهرية، والهلاوس الحسية.

 

بدأت تلك الحالة بشكل بسيط. عدت من سفر مع أصدقائي فقررت البقاء في المنزل، كنت أضعف من أن أواجه أي شيء في العالم، قررت ألا أخرج من البيت إلا لأسافر، ساعدني على ذلك أني لم أكن أعمل في تلك الفترة، والحقيقة اكتشفت أني كنت بلا أهداف أيضًا، وكانت هذه هي الأزمة الحقيقية، استسلمت للعزلة، التي أحببتها في البداية ثم انقلبت عليّ.

 

ظللت حبيسة عقلي وبيتي قرابة ثمانية أشهر، والتي بدأت نوبات القلق والذعر تتخذ خلالها أشكالاً حادة ومعذِّبة، اعتمدت فيها على الكتابة، كتابة معنى الخوف، والشعور الدائم بالقلق، كأن كيانك الداخلي يهتز دائمًا ولا يرتاح أبدًا، رغم ثباتك أنت إلا أن جسدك يعمل بقوته الكاملة طوال الوقت حتى وأنت نائم، جسدك لا يرتاح، فتبدأ الأعراض الجسمانية في ملاحقتك، تظن أنك مريض، وتعيش في عيادات الأطباء لتتأكد من سلامتك. لقد مررت بكل هذا بسبب القلق، وبالتأكيد لم يكن وليدًا للحظته، لقد كان كامنًا بأغوار عقلي، ولكنه وجد في انعزالي الاجتماعي مرتعًا ليطفو على جسدي وروحي ويجعلهما مظلمين تمامًا.

 

أراجع ما كتبت أثناء نوبات القلق، أعرف أنها نوبة طويلة لم تشف تمامًا، ولكني أسعد بشعور الانتصار، انتصار شخصي لمجابهة تلك المخاوف. كان زوجي يعاني معي، لم يكن ينام لأني كنت أرتعب من النوم، أوقظه وأنا أبكي مرة، ومرة ليشهد على موتي الذي لم يحدث، ومرة لأني أختنق ولا أستطيع التنفس فيصاحبني إلى الطوارئ، ومرات لأني أنهار وأفكر في أن أنهي تلك الحياة المقرفة المليئة بالأرق والتعب.

 

قل كيف عشت.. ولا تقل كم عشت

لوحة قلوب الثوار، للفنان الألماني جوزيف بويز

 

بعد أشهر من التعايش مع حالة القلق ونوبات الذعر، والتي جعلت فكرة الخوف من المرض، والجراثيم، والحرائق، وهوس النظافة، والقلق المبهم الذي كنت أجتهد في البحث عن أسبابه بأشكال كثيرة، عناوين فرعية لحياتي، وكان العنوان الرئيسي هو الخوف من الموت، والذي يُعرَف في علم النفس بـ”رهاب الموت”، كان لا بد أن ألجأ لمختص، ليفسر لي معنى الحالة التي أمر بها، وما هو منبعها، والحقيقة أن المختصة التي لجأتُ إليها لم تكن تعلم أني سأشفى بسماع الجملة التي قالتها لي، والتي ارتأت أنها جملة علمية شديدة البساطة، ولم تكن تتصور أنها ستكون علاجًا كافيًا لحالتي.

 

كانت الجملة هي: “إن الخوف من الموت هو حياة غير مُعاشة”.

يقول ابن سينا: “ليس المهم أن نعيش حياة طويلة، بل المهم أن نعيش حياة عريضة”.

ويقول نجيب محفوظ: “الخوف لا يمنع من الموت، ولكنه يمنع من الحياة”.

ويقول عالم النفس روبرت جاي لفتون: “إن إحساس الفرد بوجوده يمثل حافزًا يساعد الفرد على مواجهة مخاوف الموت، وإن الاستمرارية في القيام بأشياء تمثل آلية دفاعية ضد الخوف من الموت”، وهو ذات المعنى الذي قيل على لسان الشيخ عبد ربه التائه في أصداء السيرة الذاتية لنجيب محفوظ “إن المعنى كامن في الحركة”.

 

كانت الحركة هي علاجي، الحركة بمعنى أني بدأت في تحقيق كل الأحلام التي طويتها في الماضي مهما كانت صغيرة وبدت تافهة.

 

لا أخفي خوفي من عودة نوبات الذعر، بل وأحاول تجهيز خطط دفاعية جديدة تجاهها إذا عادت من جديد، وأتمنى أن تكتفي تلك النوبات الصغيرة بحجمها الحالي بما هي عليه، أشبه النوبات بالأورام السرطانية التي ما أن تنهي عليها بالعلاج الكيميائي تعاود التكون، ولكني عرفت ما هو علاج هذه النوبات الكيميائي، هو الحركة وامتلاء النفس بالأشياء المحببة.

المقالة السابقةكيف تُفَسد المدرسة عقل طفلك
المقالة القادمة10 أمهات مُلهمات من السينما العالمية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا