سر الخلطة

39

بقلم: محمد عبد القادر

 

هي دي الحياة.. ضحكتين وآه .. ضحكتينك عيشهم، دمعتينك حوشهم!

الحياة بقى لونها بمبي .. وأنا جنبك وأنت جنبي!
ياللي بتسأل عن الحياة، خدها كده زي ما هي .. فيها ابتسامة وفيها آه، فيها قسيّة وحنيّة!

دي كلمات من أغاني مختلفة لشعراء حاولوا يوصفوا معنى الحياة .. بس هل يا ترى بيبقى  سهل أننا نلخّص الحياة بكل ما فيها في تعريف محدد أو جملة مفيدة؟!.. 

يمكن أوقات بنحس أن الحياة واسعة وبراح .. وأوقات ثانية ممكن نحس أن الحياة زحمة وخنقة، أو ضيقة ولا تطاق. طبعًا ده على حسب حالتنا النفسية والأحداث اللي بنمر بيها، والزاوية اللي بنشوف منها أمور حياتنا، وحاجات ثانية كثير. إنما الشيء اللي تقريبًا مفيش عليه اختلاف هو أن الحياة مالهاش تعريف ثابت، مهما حاولنا نحصرها في حالة أو معنى أو فكرة بعينها.

طيب ماذا لو حاولنا نفهم معنى الحياة من خلال الفكرة اللي بتقول: بضدها تُعرف الأشياء؟! .. يعني ببساطة: 

هل ممكن نفهم معنى الحياة لو قدرنا نفهم إيه هو عكس الحياة؟!

يمكن تكون أول إجابة جت على بالنا هي: الموت.. ما هو اللي مش حي، أكيد يبقى ميت .. لكن لو تعمّقنا شوية في فلسفة الموت (وفقا لمعظم الاعتقادات والأديان)؛ هنلاقي أن الموت هو أحد مراحل الحياة.. ده غير كمان أن العلم أثبت من سنين طويلة أن عمليات التحلل داخل التربة هي جزء أساسي من دورة حياة الكائنات الحية على الأرض.

يعني لو مفيش موت، يبقى مفيش حياة .. يعني حتى الموت (من منظور علمي بحت) جوّاه مراحل، جوّاه حركة وتغيير. يعني نقدر نقول إن الثبات والجمود هما عكس الحياة .. يعني ممكن أكون عايش حياتي بتنفس وباكل وبشرب، لكن من جوايا عطلان، فاصل عن مشاعري .. أو ممكن أكون عايش حياتي كلها بسمح لنفسي أحس بمشاعر معينة فقط (مشاعر مفرحة ومريحة) .. وكمان على مستوى الأفكار .. ممكن أكون عايش حياتي كلها بأفكار ثابتة وجامدة طول الوقت.

في الحالة دي يمكن أكون اسمي “عايش”.. لكني مش “حي” ..  تمام زي ما قالوا زمان إن التغيير هو سُنَّة الحياة .. والتغيير بيحتاج مني معايشة واختبار لكل المشاعر والأفكار. كأنها خلطة بتحتاج لإدماج كل مقاديرها علشان تبقى صحيحة ومظبوطة.. بس أوقات كثيرة بتبقى المشكلة في عدم ارتياحنا مع المشاعر الصعبة والأفكار المزعجة -وده في حد ذاته طبيعي-، وبنفتكر أن الحياة هتبقى أحلى لو بقينا دايمًا مبسوطين وحاسين بالسعادة، وكمان مرتاحين البال ومش بنصارع مع أفكارنا.

لكن يا ترى هل مُمكن الحياة تبقى كده؟! .. وهل لو بقت كده، هنبقى سعداء ومرتاحين فعلًا؟!

فاكرين مصطلح “التوازن البيئي” اللي أخذناه زمان في المدرسة؟.. الفكرة ببساطة بتقول إن الطبيعة، علشان تفضل متزنة، بتحتاج لبقاء مكونات وعناصر البيئة الطبيعية على حالتها.. لكن بقى لمّا الإنسان بيقرر يتدخل ويعمل إخلال بالتوازن ده، ساعتها بتحصل كوارث بيئية مالهاش حصر.. 

طيب هو إيه علاقة الكلام ده بمعنى الحياة؟!

الحقيقة أن الحياة أكبر من كل المعاني والأفكار.. الحياة جواها كل الحاجات.. وعشان أحس إني فعلا “حي” محتاج أعيش و”أحيا” كل الحاجات اللي بتحصل في حياتي وأتفاعل معاها بشكل كامل، سواء من جوَّا أو من برَّا .. يعني في علاقتي مع نفسي أو في علاقاتي مع الآخرين .. محتاج أتفاعل مع مشاعري “كلها” كده على بعضها .. أفرح وأحزن وأغضب وأخاف وأحب وأكره.. أذوق وأستطعم الحزن والوجع علشان أقدر أستطعم الفرح والراحة.. محتاج كمان أفتح الأبواب لكل أفكاري وتساؤلاتي وحيرتي.. ما هو علشان أعرف طعم اليقين والاستقرار، بحتاج أتعرف على طعم الشك والحيرة.. وبعد شوية استقرار، أرجع ثاني أشك وأحتار وأعيد حساباتي، وهكذا.

وبكده، فكرة التوازن اللي مبنية عليها الحياة بشكل عام (حتى في الطبيعة والبيئة حوالينا) هتبقى بتتحقق جوَّايا .. وده ببساطة لأني طول ما بسمح لنفسي أشعر وأفكر وأتساءل وأحتار، طول ما هبقى حاسس من جوَّايا أني كائن حي.. أني عايش بجد.

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب.

المقالة السابقةفي دايرة الرحلة
المقالة القادمةعلى الموجة 

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا