امرأة أرادت أن تحدث فرقًا

772

لم تكن كاثرين واطسون بطلة فيلم “Mona Lisa Smile” امرأة عادية. لم يكن الحب والزواج وإنجاب الأطفال على قائمة أولوياتها. وإنما كان الحلم والسعي إلى تحقيقه هو همها الأول.

 

أرادت كاثرين أن تصبح مدرسة لتاريخ الفنون في جامعة ويلسلي (الجامعة الأعرق على مستوى البلاد لتعليم الفتيات) فكان لها ما أرادت. 

اختارت كاثرين ويلسلي لأنها اعتقدت أنها بتعليم الفتيات وتثقيفهن ستحدث الفارق الذي أرادته. لكن ويلسلي كان لها رأي آخر.

 

ويلسلي لم تكن الجامعة التي تتخرج منها قائدات المستقبل كما اعتقدت كاثرين، وإنما كانت الجامعة المعنية بتدريب وتثقيف زوجات قادة المستقبل كما اكتشفت كاثرين.

في ويلسلي لم يكن من الضروري أن يكون للطالبات رأي خاص في دراستهن، فهن يرددن كالببغاوات الآراء المحفوظة في الكتب. 

في ويلسلي لم يكن مهمًا أن تنتظم الفتيات في الدراسة ما دمن قد تزوجن، فالهدف من تعليمهن قد انتهى.

 

تتلقى كاثرين صدمة كبيرة من عمق الفارق بين ما اعتقدته وما وجدت عليه الوضع، فتبدأ بهدوء ولكن بدأب في تغيير طالبات ويلسلي.

تشجعهن على البحث. تنمي قدرتهن على التفكير خارج القواعد المنصوص عليها. تفتح أعينهن على عالم حدوده أوسع من البيت والعادات والتقاليد المتوارثة فيه.

حتى أنها تقنع إحدى طالباتها بدراسة القانون بعد الزواج. 

 

لكن كل شيء ينهار إثر مواجهة بينها وبين إحدي الطالبات المتزوجات المدعومة بمركز عائلي مرموق قائم على تقاليد ثابتة لا تتغير.

تحاول الفتاة بيتي أن تجبر واطسون على احترام عاداتهم وتقاليدهم، مذكرة واطسون بأنها مجرد معلمة يمكن الاستغناء عنها في مقابل التقاليد الراسخة. بينما تلفت واطسون نظرها بأنها هي المعلمة وأنها من تضغ القواعد في الفصل الدراسي.

 

تظل العلاقة بينهما في شد وجذب حتى تنهار الحياة الزوجية للطالبة الصغيرة بيتي إثر اكتشافها أن زوجها يخونها. وأن المجتمع كله بما فيهم أمها يقف في صفه وأنه ليس من حقها اللجوء لمنزل أسرتها أو الشكوى أو طلب الطلاق.

 

تقف بيتي للحظة وتسأل نفسها: ألم تكن معلمتي على حق؟

أين أنا؟ 

أين مكاني؟ 

بدون بيت أهلي الذين رفضوني، وبدون بيت زوجي الذي يخونني، أنا بلا مكان. 

إذن فما فائدة كل الذي تعلمته وأتعلمه إذا كان قد فشل في أن يشعرني بالأمان؟!

 

تقرر بيتي الطلاق بعد مشهد قاسٍ بينها وبين والدتها التي تحاول إقناعها بالعيش مع زوجها ومحاولة التأقلم.

تتحدث الأم بينما بيتي تنظر للوحة الموناليزا وتفكر بصوت عالٍ.. هي تبتسم ولكن هل هي سعيدة؟

تكمل أمها في محاولة إقناعها وتنصحها بعدم إفشاء أسرار بيتها للغرباء.

تردد بيتي صدى أفكارها بصوت عالٍ وتقول هي تبدو سعيدة فماذا يهم إن كانت بالفعل سعيدة أم لا.

 

تستشعر مؤسسة ويلسلي خطورة كاثرين واطسون على منظومة القيم الاجتماعية التي تحفظ لكل فرد مكانته وهيبته في المجتمع. تلك الهيبة والمكانة القائمة على الالتزام بمجموعة بالية من العادات والتقاليد. والتي هددتها معلمة طالبت من تلميذاتها ألا يستخدمن قوانين الفيزياء في حساب كمية اللحم والدهون المستخدمة في صنع طبق الشواء. وألا يجعلن من دراستهن للأدب مادة للتسلية أثناء قيامهن بكي ملابس أزواجهن. بينما حريتهن تمنحها لهن حمالة صدر بمواصفات خاصة

 

تتخذ ويلسلي إجراءات حاسمة لتحجيم أثر كاثرين واطسون على الطالبات، فيتم وضع مجموعة من الشروط على واطسون أن تتبعها إذا أرادت التدريس في العام الدراسي القادم، منها ألا تتحدث مع أي من الطالبات خارج الفصول الدراسية، وألا تقدم لهن أي نصح أو مشورة خارج المقرر الدراسي الذي اشترطوا موافقة مجلس إدارة المدرسة عليه أولاً قبل السماح بتدريسه، وعدم السماح بتدريس أي محتوي للفن المعاصر. مكتفين فقط بفنون عصر النهضة. لافتين نظرها لعدم جدارتها بتدريس تاريخ الفن لأنها على حد قولهم لم تذهب لأوروبا وتقف تحت سقف كنيسة السستين التي رسمها مايكل أنجلو. 

 

ترفض واطسون شروطهم وترفض البقاء في ويلسلي عامًا آخر. تقدم استقالتها في نهاية العام الدراسي وتخرج من المدرسة يتبعها سرب من الطالبات عرفن طريقها وقررن أن يسرن فيه، خاصة بيتي التي قررت دراسة القانون والاستقلال بعيدًا عن بيت العائلة.

 

أما كاثرين فقد قررت أن تسافر أوروبا لتشاهد لوحات مايكل أنجلو على سقف كنيسة السستين.  

المقالة السابقةالجميلة والوحش
المقالة القادمةطعم البيوت.. خراب

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا