بقلم/ ندى عصفور
جميعنا نبحث عن الأمان. ذلك الشعور الرائع الذي يمنحنا الكثير من الطاقة، لمواصلة حياتنا. وبدونه نفقد كل الأهداف، ونشعر بعدم الاستقرار، ونقع داخل حفرة الخوف الدائم. وهناك طرق عديدة لإيجاده. فمنا من يجده بين الأهل، ومنا من يجده بين الأصدقاء، ومنا من يجده في حضن حبيب، ومن يجده في المال، أو في وطن. فهو الحاجة الأساسية التي تدفعنا للنجاح في حياتنا. ولكن لم يكن هذا الشعور حكرًا على البشر يومًا قط، فهو يمتد إلى كل كائنات الحياة. وهذا ما اكتشفت وآمنت به مؤخرًا.
العصفور المنزلي
فجميعنا يومًا ما شاهدنا العديد من الفيديوهات، التي تعبر عن مشاعر الحزن والفرح والحنان لدى الحيوان، وكنت أنا من ضمن هؤلاء المشاهدين. ولكن حقًا لم أكن أتأثر بتلك المشاهد، فقد كنت أعتبرها نوعًا من الترفيه ليس أكثر، حتى ذلك اليوم الذى قابلت فيه فتاة تبلغ من العمر الثانية عشرة، وهي تصيح طالبة مني أن أتوقف حتى لا أدهس عصفورًا منزليًا جميلاً جريحًا، ولا يقوى على الطيران. وقد لاحظت أن ذلك العصفور يسير خلف هذه الفتاة، فسألتها: ماذا حدث؟ فقالت لي إنها وجدته وهو يسير، وكادت حافلة كبيرة أن تدهسه، ولكنها أوقفت تلك الحافلة وأنقذته، ومنذ تلك اللحظة وهو يسير بجوارها.
وطلبت مني الفتاة أن أحمله إلى منزلي كي أرعاه، فهي في طريقها إلى درس، ولن تسيطيع أخذه، فاعتذرت لها قائلة أنا أخاف أن أمسك أي طائر. وهنا انتظرت أنا وهي حتى أقنعنا سيدة بحمله وإعطائه لأحد محال الطيور لكي تعتني به، وبمجرد أن حملته السيدة فما وجدت من ذلك العصفور سوى نظرات مليئة بالدموع للفتاة التي أنقذته من الموت، وأخذ ينظر إليها وهو يعض يد السيدة التي تحمله في محاولة للهروب من يدها، فهو لا يرغب أن يكون مع أحد سوى تلك الفتاة التي أنقذته، فقد كانت مصدر الأمان له في ذلك الشارع الواسع.
الكلب وحارس العقار
فالحيوانات هي الأكثر بحثا عن الأمان في تلك الحياة، وأكثر رفقًا منا، فقد قصت لي إحدى صديقاتي أنها ذات يوم وجدت حارس الجراچ في العمارة التي تسكن فيها، يربط كلبًا من أرجله ويضربه بالحجر على رأسه عقابًا له، لأن كان يجلس فوق إحدى السيارات، وهو ينظفها، وظل يضرب في الكلب ضربًا مبرحًا حتى أصابه في رأسه، ونزلت الدموع من عينيه من شدة الألم. فما كان من صديقتي سوى أن نهرت ذلك الحارس وأصرت على أن يفكه ويطلق سراحه، حتى لا يموت من شدة الضرب.
فما كان من ذلك الحارس إلا الرد على صديقتي بشيء من اللا مبالاة قائلاً: هناك المئات من الكلاب، إذا مات هذا الكلب بين يدي الآن. مما أثار حماسة وغضب أحد المارة الذي تعاون مع صديقتي في تهذيب ذلك الحارس وتهديده في حالة إذا لم يترك ذلك الكلب ويفك أرجله. وما كان من هذا الحارس سوى الرضوخ لكلامهما وترك سراح الكلب، الذي وقف بجوار صديقتي وهو يئن من شديدة الألم والدموع تملأ عينيه، فطلبت منه الجري والرحيل وعدم القدوم إلى هذا المكان مرة أخرى، فجرى مثلما طلبت منه صديقتي، وطلبت من الحارس عدم القيام بذلك مرة أخرى.
فنحن جميعًا نفتقد ثقافة التعامل مع تلك الحيوانات المشردة في الشوارع بلا مأوى، فهي أكثر الكائنات بحثًا عن الأمان بين البشر، وهي أكثر ضعفًا منا. فجمعيها أرواح تشعر وتألم وتسعد وتبكي وتمرض مثلنا جمعًا، فلا بد أن ننمي الوعي بيننا ونطالب ونقف جمعًا لمن يقوموا بإيذاء تلك الكائنات من ضربها أو تسميمها أو ربطها، فتلك أرواح سنُسأل عنها يوم الدين، وإيذاؤها جرم لا يغتفر.