بقلم/ أحمد بهاء
تُنسى كأنك لم تكن – محمود درويش
لم يكن آرثر فليك أو الجوكر مُجرد كوميديان قليل الحظ، أو مريض عقلي يعاني من آلام المرض، بل كان منسيًا متجاهلاً كأنه لم يكن. جوثام ليست مجرد مدينة على وشك الانفجار، لكنها تمثل كل عوامل الضغط والقهر على شخص آرثر. إنه يحمل معاناته الدائمة على كتفيه، ويتجول بها في أنحاء المدينة، يحمل دواءه ويصعد على الدرج ليصغر حجمه في الكادر شيئًا فشيئًا، يسند رأسه على نافذة المواصلات العامة، العالم يتحرك حوله وهو لا شيء، مجرد كيان مُهمَل تراه من خلف الحاجز الزجاجي.
إن الخذلان المستمر سيتنهي بالطبع إلى الجنون العارم، وأحد العوامل التي تجعل قصة فيلم جيدة، أن تتعاطف مع بطله، أن تجد له مبررات، أن تحبه بعض الشيء، حتى إن كان قاتلاً، معتلاً، لا يرى في الدنيا إلا الصورة القاتمة، والخذلان الذي يتعرض له آرثر يكفي لحرق العالم، أمه، أصدقاء العمل، واين (المرشح لمنصب العمدة)، موراي مقدم البرامج الذي يحبه، فكيف ستكون النهاية؟
لقد عشنا مع آرثر معاناته، ولم نعلم أي شيء عن مدينة جوثام، هناك شيء ما غامض ينذر بالفوضى، إن الحكاية قصدت بصورة أو بأخرى أن نرى بعين آرثر فقط، ولا نلتف لأي شيء آخر، نحن خارج الزمان والمكان إلا من خلال آرثر، غارقين في التعب، نتفاجأ معه بانقلاب الدنيا رأسًا علي عقب، بسبب جريمة حدثت بالصدفة، فأصبحت شرارة الفوضى والجنون المطلق. ويتحول آرثر إلى رمز، كيف؟ ولماذا؟ لا نعلم، نعلم فقط الرتوش، اللافتات فقط، ربما أراد الكاتب أن يهرب من واقعية نقد جوثام/ نيويورك إلى فانتازيا عالم دي سي، ربما؟ وربما كان يقصد أن يلخص كل الضغوط بكل أنواعها في شخصه وكفى، ربما؟
في النهاية لقد كانت مفاجأة لنا ولآرثر أن يلتف العالم حوله ويصبح محور الحديث، بعد أن كان كيانًا مهملاً لا قيمة له، الآن يستطيع آرثر فيلك أن ينزل على الدرج متحررًا من المرض ومن وجهه القديم، ويرقص منتشيًا ووجهه مغطى برمز الضحك، فتصبح عِلَّته هي أصل وجوده، وجه ملون بالمساحيق، وضحك مضطرب لا معنى له، ورقص حر وعالم ينهار وليذهب كل من خذلوه إلى الجحيم.
الآن يتعاظم وجوده داخل الكادر، يكبر حجمه شيئًا فشيئًا، وهو ينزل الدرج، وهو يركب الباص. وهو ينظر إلى كاميرا موراي ويمسكها بكلتا يديه فيتسحوذ علي المشهد بأسره.
لم يكتفِ جوكر بهذا، بل وصل إلى ذروة ما كان يتنماه، أن يكون “هابي”، سعيد كما كانت تناديه أمه دائمًا، فترتسم الابتسامة على وجهه رغم أنف الجميع، لقد تذوق شهوة القتل بلسانه، ومرر الدم على مراكزه الحسية، وتعاظمت اللذة، إلى أن رسمت الدماء على وجهه الابتسامة الدائمة التي لن تفارقه، ووقف محمولاً على الأعناق، يعلن موت آرثر، وميلاد جوكر. جوكر الذي يضحك عندما يقتل.
إننا أمام فيلم يتحدث بشكل أساسي عن المهمشين، إنهم في ذاتهم منسيون، يتمردون ويتحولون إلى أقنعة، إلى شهوة مهووسة تمثل خطرًا وشيكًا، إن سردية الخير والشر التي تتمثل في باتمان و جوكر، ضُربت في مقتل، وأضاء الفيلم جانبًا آخر لممثل الشر، جانب يخفي وراءه الكثير من الألم لا يشعر به أحد.
جوكر ليس فيلمًا عاديًا من أفلام الكوميكس، إنه فيلم واقعي حد الجنون، يختبئ وراء عباءة دي سي، ولا يتنمي إلى عالمها.