رابط الصداقة من اسمى الروابط في هذه الحياة، الا ان الحصول على صديق حقيقي اصبح من الاشياء النادرة في هذه الحياة، فالأصدقاء الحقيقيون كما يقولون “يصعب ايجادهم”
الأصدقاء الحقيقيون يصعب إيجادهم
جملة انتشرت بشكل كبير على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة، ألا وهي: “يتعافى المرء بأصدقائه”. ولكن تلك الجملة تعتبر نسبية لكثير من الناس. فهناك من لا يمتلك أصدقاء، حتى وإن وُجدوا قد لا يكونوا حقيقيين بالشكل الكافي، كي نطمئن ونحكي لهم ما بداخلنا. فعلى أرض الواقع نحن لم نعتَد حتى من خلال تربيتنا على المفهوم الحقيقي للوحدة وجانبها الممتع، وكيف نستطيع أن نكون أصدقاء لأنفسنا أولاً قبل أي شخص آخر. فقد كان العكس تمامًا، حيث كان الآباء والأقرباء دائمًا ما يرددون:
“لا تجلس وحيدًا يا صغيري، فالوحدة ليست بالشيء الجيد”.
“انخرط مع أصدقائك قليلاً.. لا تكن منطويًا هكذا وانضم إلينا”.
كلها كانت فقاعات هوائية ليملؤا بها آذاننا كي لا نكون مع أنفسنا ولو لثانية، حيث دائمًا ما تخطلت الأوراق بين الشخص المُنعزل اجتماعيًا والخجول، والذي يحب أن يجمع شتات نفسه بين الحين والآخر بالجلوس وحيدًا لبعض من الوقت.
ومثلما تحب تجربة طعام جديد أو ارتداء ملابس جديدة، فخذ تلك المناقشة كتجربة: حاول أن تتكلم مع نفسك، تُطمئنها، تُجفف دموعها، تدعمها لتحقيق أحلامها، فالتحدث مع الذات ليس بشيء من الجنون على الإطلاق، بل نحن من اخترعنا تلك الكلمات السخيفة، إلى أن ابتعدنا عن أنفسنا بنسبة كبيرة وانشغلنا بالمظهر الخارجي الذي ألهانا كثيرًا عن الداخل وما نحتاج إليه.
ونظرًا لأن المظهر الخارجي أسهل ونتيجته أقوى، فيلجأ إليه كثير من الناس أصحاب القلوب الضعيفة، الهشة وغير القادرة على شفاء ذاتها، فتختبئ وراء حجج واهية كنوع من أنواع المخدر ذي المفعول الضعيف، لإشعار أنفسهم بأنهم أقوياء، وأن كل شيء سوف يصبح على ما يرام.
ليس في الهروب الحل، فمهما طال اختباؤك يا صديقي، فستشعر بمدى ضعف قواك، وعدم قدرتك على الاستمرار في تلك اللعبة الساذجة، وأن أفضل حل يكمن في مواجهتك لمخاوفك وحزنك.
نعم كل منا لديه آلامه الخاصة التي يراها آخر الحياة، لكن دائمًا علينا أن نتذكر: لا يتعافى المرء بأصدقائه فقط، بل يتعافى المرء أولاً بربه، يتعافى المرء بنفسه.
ليس من العيب أن نجلس مع أنفسنا ونشكو أمرنا إلى الله، أعرَف العارفين بحالنا أكثر من أي شخص على الكوكب. فأنت لست بشخص متعالٍ أو متعجرف، فحبك لذاتك كما هي وبلوغك للسلام الداخلي يعتبر من أسمى الأشياء التي سوف تصل إليها أثناء رحلتك الذاتية.
ليس ذلك بدعوة إلى العزلة أو الانعزال عن أحبابنا، لكن كثيرًا من مشكلاتنا العصرية تَكمن بداخلنا، ونتيجة لأفعالنا، ولن يستطيع أحد من المقربين إلينا مساعدتنا ما دُمنا لا نعرف كيف نُساعد أنفسنا.
الأصدقاء الحقيقيون نادرون
أعرف أن هناك بعض الأشخاص الذين تتسلل إليهم مشاعر الضعف والحزن بين الحين والآخر، سيكونوا في حاجة إلى من يؤازرهم ويدعمهم نفسيًا، ذلك مشروع جدًا، ولكن يُفيد كلام أصدقائك أو أقربائك ما دمت بداخلك لا تريد التغير، لا تريد إنهاء العلاقة السامة، لا تريد أن تأخذ خطوات للأمام وتترك الماضي جانبًا. فنحن يا عزيزي لا نملك إلا الآن واليوم حتى نتعافى، فلن يُفيدنا الماضي في شيء سوى الدرس.
نفسك قد تكون أكبر عدو لك ما لم تحاول فهمها واستيعاب احتياجاتها.
لكن تذكر ألا تَكن شخصًا جالدًا لذاته، فقد وُجدت أخطاؤك لتتعلم منها درسًا لن تتعلمه أثناء رحلة حياتك العادية. حتى سيدنا آدم أخطأ عندما ذهب للشجرة المُحرمة، على الرغم من كل النعم التي كانت تُحيطه حيث الجنة وحواء. فالصعوبات والشدائد قادمة لا محالة، ما دُمت تسعى للتغيير وصلاح نفسك. فلا تقسُ عليها، وادع الله دائمًا أن يُعينك على استكمال الطريق، حتى وإن لم تفهم الدرس الآن فإنك ستفهمه لاحقًا.
الأصدقاء الحقيقيون كالنجوم
ومن يدري.. فقد تكون عونًا لغيرك لتجاوز محن مُشابهة، حيث يُلهمهم صبرك وثباتك على الألم والفشل، فيشعرون أنهم أيضًا يستطيعون تجاوز أزماتهم مثلما فعلت، فبدلاً من أن تكون شخصًا سلبيًا وتعيسًا، فقد أصبحت مُلهمًا لشخص آخر، يعيش حياة بائسة ويحتاج لبصيص من الأمل.
مؤلمة تلك الدروس التي نمر بها أحيانًا كثيرة.. أعرف ذلك. لكنك تستطيع أن تتغلب عليها، فما دام الله يُطيل في عمرك، فاعلم أنك موجود في هذه الحياة لشيء ما، عليك أن تعرفه وتكتشفه بنفسك، لا بيد أحد. فقط عليك الانتباه وعدم الانخراط في أحزانك للأبد، فلديك طريق عليك استكماله بعون الله.
دُمتم مُعافين ومحبين لذاتكم لا جلادين ولا تعساء.
اقرأ أيضًا: هكذا أحببت العزلة