“الستات مبتعرفش تسوق”.
تلك الكذبة التي سَوَّق لها الرجال فصدقها الجميع، بما فيهم النساء أنفسهن، ما جعل كل امرأة “على وِش سواقة” تخشى ما هي على وشك أن تُلاقيه، حتى ولو كانت التجربة في ذاتها لا تستحق كل هذا الهلع والجذع، وفقدان الثقة.
فالــ”سواقة” مثلها مثل أي شيء آخر في الدنيا، له قواعد وشروط وطريقة لتعلُّمه، يعتمد جُزءٌ كبيرٌ منها على المُمارسة، أكثر من أي شيء آخر، ولكن للأسف تأتي أسطورة الستات مبتعرفش تسوق، فتضع عوائق وحواجز نفسية أمام بعض النساء، خصوصًا من تتعلم منهن كبيرة في السن بعد أن وَلَّى طيش الشباب، وإيفوريا المُراهقة، حيث القُدرة على فعل أي شيء دون الاهتمام بعواقبه، هذا لأن الكثير من النساء مع التقدم في العُمر، و/أو الأمومة يبدأن في وضع قلوبهن على كفوفهن، بينما يتنقلن في مدينة آفة حارتها عدم الاتزان.
هل يعني ذلك أن السواقة في الكِبَر كالنَقش ع الماء؟
ليس بالضرورة، لكنها تستلزم قدرًا من الشجاعة والجرأة أكبر مما كان سيتطلبه الأمر بسنٍ صغيرة، في الوقت نفسه يمُلك الكبار قدرًا أعلى من التركيز، والالتزام عن الصغار وهو شيء مُهم في ذاته. لذا نستطيع قَول أن كل مرحلة سِنية لها مُعادلتها الخاصة بمكاسبها وخسائرها.
نعود مرة أخرى لسواقة السيدات..
طوال عمرى أملك تلك النظرية عن سواقة السيدات بالتحديد، وهي إما أنهن يحترفن السواقة ببراعة رهيبة، أو “ضايعين خالص” ليس هناك منطقة في المنتصف، وليس هذا نتيجةً لتأثري بالثقافة السائدة لا سَمَح الله، ولكن بسبب تجاربي الشخصية مع صديقاتي وقريباتي اللاتي ركبت معهن سياراتهن، فجاءت تلك هي نتيجة المُقارنة بينهن. ما لم أحسب حسابه كان أن أصبح يومًا من النساء الجالسات خلف مقود سياراتهن، فأكون أنا نَفسي مَحَلاً للحُكم.
وعلى كلٍ دعونا نستعرض معًا أهم أبجديات تعلُّم القيادة للسيدات:
1- لا تجعلي أيًا من هؤلاء يُعلمك القيادة مهما حدث (زوجك/ خطيبك/ والدك/ أخوك).
ذلك لأنهم أولاً: يعتنقون في قرارة أنفسهم نفس الفكرة السائدة بأنك “مبتعرفيش تسوقي” وحتى بعد أن يتم تعليمك ستظلين “مبتعرفيش تسوقي”.
ثانيًا: أن بينهم وبينك من الحُب والعِشرة ما يجعلهم قادرين على توبيخك، ومن ثَمَّ تحطيم ثقتك بذاتك بحِجِّة أنهم يفعلون ذلك لمصلحتك الخاصة، وكَــتِكنيك لـ”نحررتك” وجعلك تُصرِّين على أن تكوني أفضل.
ثالثًا: مثلما يقولون لا تُشاركوا الأقارب أو النسايب بالعمل، فكذلك لا تجعلي أحدهم يُعلِّمك القيادة، ذلك لأن كرامتك المُهدَرَة معهم أثناء التعليم والتوجيه قد ينشأ عنها خلافات أسرية أنتم في غنى عنها من الأساس. لكل ذلك، أنصحك أن تتعلمي مع مدرسة قيادة، أو أي شخص لا يجمعك به صلة قرابة أو عَشَم.
2- لا تتعلمي القيادة على سيارتك.
أعرف أن هناك من يقتنعون الفكرة المُضادة تمامًا، وأن التعَلُّم على سيارتك سيجعلك على دراية بأبعادها وعيوبها، لكن سيارتك سيكون لها رهبة عن أي سيارة أخرى، خصوصًا لو كانت زيرو، لأن معها “اللي بييجي في الريش مش بقشيش”، وسيقع قلبك في رجلك مع كل خطأ تفعلينه في بداياتك.
لذا في رأيي الأفضل هو تَعَلُّم القيادة على سيارة تخُص من يقوم بتعليمك، ويُفضل لو أنها نفس نوع سيارتك أو قريبة منها، ويُمكنك بعد الانتهاء من كورس القيادة أن تتعلمي على سيارتك بعض الحصص لزيادة التأكيد، أو أن تتعلمي نصف الكورس على سيارة من يُعلمك والنصف الثاني على سيارتك الخاصة.
3- لا تتعلمي إلا قبل ممارستك للسواقة مُباشرةً.
كلمة السر في السواقة المُمارسة، لذا إذا كنتِ ستتعلمين ثم تتوقفين عن القيادة على أمل أن تعودي لها بعد فترة، فاعرفي أنك ستحتاجين لإعادة الكورس مرة أخرى، لذا يُفَضَّل التعلم قبل شرائك سيارتك مُباشرةً.
4- لا تسمحي لأحد أن يُحطم ثقتك بنفسك.
“مَحدش بيعرف يسوق أوي، إلا أما يعمل شوية غلطات في الأول كتير أوي”.
عزيزتي.. ثقي بأن لا أحدًا وُلِد “حَرِّيف سواقة”، الجميع مَرَّ بنفس مرحلتك في البداية ثم تجاوزها مع الوقت، وكما يقول الجميع نحن في بلد “الأطفال فيها بيسوقوا”، “واللي عاملين دماغ كمان بيسوقوا”، لذا لا شك أنك أفضل من كل هؤلاء. ومرة أخرى كلمة السر الجرأة والممارسة، ولا شيء سواهما، ليَبق التعلم بالتكرار والخطأ سيد الموقف.
5- التناحة.
تلك الصفة التي عليكِ أن تتحلِّي بها، لأنك ستحتاجينها كثيرًا، فلا تَدَعي عواطفك تقودك، لا تبكي في الطريق لأي سببٍ كان، والأهم لا تكوني سريعة التَحَطُّم نفسيًا، بمعنى.. اجعلي ثباتك الانفعالي مُرتفعًا بأقصى قَدر ممكن.
أين المشكلة الأساسية في قيادة النساء إذن؟
بصفتي امرأة تتعلم القيادة حديثًا، ولأول مرة في حياتها، بعد أن تجاوزت الثلاثين، فالمشكلة من وجهة نظري -وقد أكون مُخطئة- هي عشق النساء للتفاصيل، ورغبتهن لجعل كل شيء مثاليًا، لذا هن يقُودن سياراتهن مُطَبِّقات لكل القواعد النظرية البحتة، وهو أمر صائب بالطبع لكنه لا يليق ببلاد مثل بلادنا.
ففي حين ستجد المرأة تلتزم أثناء القيادة بكل ما تعلمته، فلا تتسِم سواقتها بالتَهَوُر أو الاندفاع، ذلك لأن ما يهم النساء هو الوصول لوجهتهن سالمات، لا الوصول أولاً، ستجد مَن حولها يقودون سياراتهم “بالفَكَاكة والفهلوة”، فتبدأ مشكلة المرأة في الظهور بسبب صعوبة استنباط أفعال السيارات التي حولها، لأن أصحابها فيما يبدو لديهم مُشكلة ما مع اتباع القواعد، ليصبح على المرأة أن تكون حاضرة الذهن فتتنبأ بما سيفعله الآخرون، وحين تفشل في ذلك يُلصقون التهمة بها، بينما لو كان كل شخص التزم بالقواعد من البداية لصار الأمر أكثر سلاسةً.
وعلى كل حال..
جميعنا نعلم أن التعميم فِعل خاطئ، ما يجعل قاعدة “الستات مبتعرفش تسوق” بجانب كونها مُهينة ومُجحفة فهي غير منطقية،كيف يقولون ذلك والنساء خير من يسوق كل شيء بدايةً من الدلال، مرورًا (بالهبل ع الشيطنة)، والكَيد وصولاً لقيادة حياة أسرة بأكملها بتفاصيلها اللا نهائية ومسؤولياتها المتلتلة؟ وبالتالي فإن قيادة سيارة سيكون أبسط ما يمكن أن تفعله امرأة في حياتها.