ادِّي بوسة لعمو

1765

ممكن تدّي بوسة لعمو يا حبيبتي؟
– لأ.
– براحتك. هي مش عايزة تدّي بوسة دلوقتي.

ينبغي أن يكون الأمر بهذه البساطة، احترامًا للطفل وحفاظًا على نفسيته وحقوقه.
طفلتي الصغيرة تعشق كلمة لأ، ترفض الأحضان والقبلات من الغرباء، ولكنها تعطيها لنا في المنزل بسخاء ولمن ترتاح وترغب في
رؤيتهم وتطمئن في حضورهم، أواجه أنا أمها تعليقات لاذعة بأنني "بدلعها زيادة عن اللزوم"، و"عيب الناس هتزعل منك"، و"بنتك
خوَّافة ومبتحبش الناس"، ومؤخرًا "دي عنيدة وهتتعبك وتنفذ كل اللي هي عايزاه".

كل ذلك لمجرد أنها لم ترغب في إعطاء هذا الـ"عمو" أو تلك الـ"طنط" بوسة أو حضن!

حسنًا.. استنفدت كل طاقتي حرفيًا في التبرير والشرح لأهمية احترام رغبات الطفل وحقوقه الجسدية للأقارب قبل الغرباء، أنا أمها لم
أُقبِّلها يومًا غصبًا، لم أرغمها على حضن أو لمسة لا ترغبها، فكيف أسمح للغرباء بذلك مهما كانت درجة قرابتهم تجنبًا للتعليقات
السلبية؟!

وسط كل ذلك أجلس أمام شاشة التليفزيون، فأشاهد إعلانًا لمؤسسة الدكتور مجدي يعقوب، يتعدى على خصوصية الأطفال بطريقة
صادمة، حيث طفلة صغيرة لا يزيد عمرها عن أصابع اليدين، تجري بمفردها في الشارع دون رقابة، توزع قبلات وأحضانًا على
المارة، بدءًا من عامل النظافة والسوبر ماركت والفكهاني وعسكري المرور، حتى الطبيب والممرضة والمارة العاديين في الشارع، لماذا
تفعل ذلك؟ لتقول لهم شكرًا وتعبر عن فرحتها بالشفاء والعلاج نتيجة تبرعاتهم! هل هذه هي الطريقة الوحيدة للتعبير عن الشكر
والامتنان؟!

قد تبدو فكرة الإعلان نبيلة، وهي شكر كل من ساهم في علاج الأطفال مرضى القلب، ولكن بشكل شخصي أعتبر تنفيذها تعديًا واضحًا
وصريحًا على خصوصية الطفل، كيف نطلب من طفلة صغيرة أن تنطلق بمفردها في الشارع تُقبِّل وتحضن المارة -حتى لو تمثيلاً- دون
رقابة؟ وفي نفس الوقت نطلب من أطفالنا الذين يشاهدون هذه الإعلانات مصادفة، ألا يذهبوا مع الغرباء أو يسمحوا لهم بلمسهم؟

صدمني هذا الإعلان، وأرعبني أن يشاهده أطفال صغار، فيعتبرون ما يرونه شيئًا طبيعيًا يمكن تقليده.. فتبدأ المأساة.

يوميًا أقرأ وأستمع لحالات من التحرش اللفظي والجسدي بالأطفال الصغار، حتى طال الأمر الرُّضع، بسبب تصرفات يفعلها الأبوان
بجهل أو بحُسن نية، أولها غصب الطفل على "ادي بوسة/ حضن لعمو يا حبيبي"، فيكبر الأطفال دون احترام لأجسادهم وخصوصيتهم،
يتخيلون أنهم متاحون ومستباحون دائمًا، فتبدأ دائرة التحرش التي لا تنتهي.
أصبحت أتوقع كل شيء من أي شخص، ولا أضع أحدًا في دائرة أمان طفلتي إلا أشخاصًا قليلين يُعدّون على أصابع اليد الواحدة.

كأم تسعى بكل طاقتها لتحافظ على صغيرتها من تلوث المجتمع، جمعت بعض الأساليب التي يمكن أن تحمي وتساعد طفلك من التعرض
لتجربة تحرش تخدش ذاكرته ونفسيته للأبد:

1- لا ترغمي طفلك قط على حضن أو بوسة أو لمسة لا يرغبها من الغرباء أو حتى منكِ، اتركيه يعبر عن نفسه واحترمي احتياجاته
ورغباته، ليفعل هو مع الآخرين أيضًا.

2- علّمي طفلك كيف يقول "لا" ويمنع الأذى عنه بالرفض، لا تجعليه يخاف الآخرين ولا ترغميه على فعل يقلل من ثقته بنفسه ويجعله
يشعر بأن جسده مستباح.

3- طفلك له رأي، نعم هذه حقيقة لا مفر منها، حتى لو كان ما زال يأخذ الببرونة، عليكِ أن تسأليه قبل أي شيء يخص جسده وأمانه
النفسي.

4- خصوصية طفلك تبدأ من عمر يوم، فلا تغيري الحفاض في الملأ أمام الآخرين، لا تجعليه يكشف جسده أمام أحد، وأخبريه برفق أن
جسده ملكية خاصة به، يساعدكِ في ذلك بعض كتب التوعية للأطفال، وأرشح لكِ منها كتاب "أنا غالي" باللغة العربية والإنجليزية.

5- اخلقي مساحة من الصداقة مع طفلك، أخبريه عن جسده، وجاوبي كل أسئلته بما يناسب طبيعة عمره عن الأجزاء الحساسة في جسده،
لا تتركيه يتلقى المعلومة من الخارج، كوني أنت مصدره ومصدر ثقته.

6- أكدي لطفلك دائمًا أن يخبركِ بكل شيء بحرية دون خوف أو عقاب، احكي له حكايات عن كيفية الدفاع عن نفسه وحمايتها ورفض
أذى الآخرين، دون ترهيب زائد عن الحد.

7- لا تتركي طفلك مع غرباء بمفرده، ولا مع أشخاص قال لكِ إنه لا يرتاح معهم ولا يرغب في صحبتهم. لا تتجاهلي أي إشارة من
طفلك بدافع أنه "بيتدلع".

8- وأخيرًا.. علمي طفلك رياضة يستطيع بها الدفاع عن نفسه وتزويد ثقته بقدراته؛ المتحرش عادة لا يقترب من الطفل ذي الشخصية
والثقة بالنفس، الذي يستطيع الرفض دون خوف ولديه مساحة من الصراحة والثقة مع والديه، ادعمي طفلك دائمًا وأبدًا والقي كل
العبارات المحبِطة وراء ظهرك وتخلصي الآن من ثقافة "ادّي بوسة لعمو".

المقالة السابقةما أعرفه عن عجزي.. وقدرة الله
المقالة القادمةاللي أوله خناق آخره بريود
باسنت إبراهيم
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا