منى عبد الفتاح
في أحد الإعلانات التليفزيونية لواحدة من شركات الألبان، يقوم مجموعة من الصغار، بطبخ الخلطة السحرية لذكاء الطفل، حبّة قوة.. شوية نشاط على كالسيوم، مع خفة دم.. وهووب، يصير الطفل إن شرب المزيج ذكيًا.
ماذا لو كان بإمكاننا أن نمزج أي شيء مع أي شيء لنحقق أمانينا!
هذا خليط للنجاح، وذاك مزيج التصالح مع الذات، وتلك تركيبة سحرية ليحبنا الذين نحبهم، بقدر ما نحبهم، وهذه وصفة شافية للتعافي بعد الحكايات التي خذلتنا.. هل يبدو الأمر مستحيلاً؟ ربما، ولكنني بهذا المقال، أقدم لك الأخيرة!
أكتب هذا المقال وأنا أفكر في عشر صديقات على الأقل، سمعت منهن قصصًا عن الخذلان الكبير، عن ذاك الشعور الذي قصم ظهورهن بعد أن منحهن كل شيء، أكتب لهن، وعنهن، ولكل اللاتي فضَّلن الصمت، للصديقات وغيرهن، وأنا بهذا لا أدَّعي حكمةً، ولكنني مثلهن، خُذلت، وربما خَذلت، فتفكرت في كل ما يحدث، ووجدت أن تجاوز الخذلان ليس مستحيلاً، وأنه إن حدث، صار التعافي من بعده ممكنًا. أكتب هذا المقال لأصحح خطأ كتبته في المقال السابق، عندما قلت إن “الخذلان كالموت”، لأنه ببساطة لا أحد يعود من الموت للحياة مجددًا، ولكن يمكن أن نعود لها من بعد الخذلان، أكثر قوة.. وأكثر إشراقًا.
كيف؟ هنا أخبركم.
– عادي
قبل يومين، استغرقت ساعتين في محاولة إقناع “ندى”، أنه “عادي”.
الخذلان أوله صدمة، وثانيه سؤال “كيف حدث هذا كله؟! وكيف حدث لي أنا تحديدًا؟”، وأنت إن اقتنعت أن كل شيء “عادي”، كل شيء وارد وجائز حدوثه، ستتغلب على هذه الصدمة، و ربما كانت مشكلتنا الحقيقة، أننا حين نرى الأشياء السيئة تحدث للذين من حولنا، نستبعد تمامًا حدوثها معنا، ولكننا مثلهم، ولكلٍ منا دوره، وما علينا إلا أن نستعد، وأن نعرف أن كل شيء وارد، ويجوز حدوثه، كل شيء عادي.
– من حقك أن تحزن
ألا يكون التعافي إلا بالقفز من فوق الحواجز؟ الإجابة لا.
من حقك أن تحزن.. من حقك بعد الخذلان أن تفتقد، أن تشعر بالوحشة، ومن حق نفسك عليك، أن تمنحها الفرصة كي تتألم، ابكِ، ابقَ وحيدًا لفترة، هاتف صديقًا في منتصف الليل، وبُح له بأنك تشعر أن عالمك انتهى، افعل هذا كله شريطة ألا تغرق في الحزن، استجب للأفراح إن مدت لك يدها، وثق بأنها ستفعل، ما دمت قد أفسحت لها مكانًا، بتفريغ شحنة الأحزان.
– انظر حولك
إن كانت الحياة تسير.. فلمَ تتوقف أنت؟
يوم يبدأ وينتهي، وغيره يبدأ، الحياة تدور، بينما أنت ثابت لا تتحرك، جميع من حولك يعملون، يحلمون، يقعون في الحب، ويلمسون أحلامهم، أو يكادون، وأنت في دائرة الأحزان لا تتحرك، هل تستحق هذه الحياة؟ ألا تستحق أن تنجح؟ أن تبدأ حكاية أفضل؟ ألا تستحق نفسك أن تقدم لها تعويضًا عما فاتها؟ الذي خذلك نفسه يمارس الحياة كأن شيئًا لم يكن، فلِمَ لا تنضم لهؤلاء الذين يفضلون النجاة؟
– لا للفراغ
لا عدو لك في مرحلة ما قبل التعافي بعد نفسك، إلا الفراغ.
إن كنت تحاول أن تتعافى، فلا تترك نفسك لنفسك بقدر ما استطعت، لا تسمح للحزن بأن يملأ فراغًا في حياتك، افتح أبوابك لصخب الحياة، اغرق في تفاصيلها، سافر إن كان هذا متاحًا، جرب جديدًا، اقترب من الأصدقاء، اخلق لنفسك عالمًا آخر، غير ذاك الذي يمتلئ بالذكريات، علها تستحي.. وترحل.
– الوقت هو كلمة السر
أنت قوي.. ولكن هذا لا يعني أنك ستتعافى غدًا.
في حكايات الحب، يحدث اليوم شيء صغير، ونكتشف أنه ليس صغيرًا بعد أن ينقضي كل شيء، نكتشف ذلك عندما تتعاظم الذكريات، ونتذكر ما حدث في يوم، كل يوم، ولكن الأمر يمكن تجاوزه إن آمنّا بأن المسألة مسألة وقت، وأن ما عاش فينا أيامًا وشهورًا، لن تمحوه ساعات، تصير الأمور أكثر سهولة إن فعلنا، وخففنا الحمل عن أنفسنا.
الخذلان ليس سهلاً، وقلوبنا ليست صلبة كما ينبغي -ربما- ولكن الفراق لا يقتل، والحزن شأنه شأن كل شيء، يمل.. ويرحل، والله يُعين.
إن الله مع المنكسرة قلوبهم.
دليلك الكامل للنسيان