يخبرني المصور في جلسة تصوير ليلة زفافي، بكوني عروسة هادئة الطباع، إلى حد مذهل، فكل من يصورهن يكُن في حالة من التوتر الهستيري، المكلل بأوامر متطايرة هنا وهناك، ونبرة صوت عصبية، وابتسامات متشنجة، كل هذا فقط لرغبتهن العميقة، أن يكون كل شيء على أحسن ما يكون، والأفضل، ولا شيء سوى الأفضل. استوقفتني كلماته، وفكرت لثوانٍ معدودة، ليُعاد بذاكرتي شريط من لحظات الانهيار والعصبية، التي سبقت هذه اللحظة بالظبط، والدليل الحي عليها التواءات قولوني العصبي الجميل، بينما أستمع إلى إطراءاته على مدى ثباتي الانفعالي.
كَوني شخصية بصرية، أتخيل ما أفكر به، وأفكر من خلال تصوري للأشياء، فأنا أتذكر جيدًا يوم قررنا، أنا وشريك حياتي أن نقدم على هذه الخطوة الكبيرة، فإذا بموجة من المشاهد التي كنت شاهدتها بأفلام سابقًا، تنتفض من درج ذاكرتي البصرية، وتتلاحق على ذهني في دقائق معدودة. ولكون هذه الأفلام متباينة، فمنها ما أضحكني، ومنها ما أرعبني، ولكن تشترك جميعها في كونها تحكي عن ملابسات اليوم الأهم، بحياة كل فتاة، بمشاعره المتضاربة، وصعوبات الترتيبات، والهاجس الأكبر لمعظم البطلات، بأن يكون كل شيء على خير ما يرام، ولا أقل منه، ولو قيد أنملة. فهو يوم واحد لن يتكرر.
1. Bride Wars
في Bride Wars وصلت صداقة البطلتين، واللتين كانتا أعز صديقتين، منذ نعومة أظافرهما، إلى المحك الأكبر بعلاقتهما، فقط لكون الصدفة جعلت فرحهما بنفس اليوم، ونفس المكان. لتتوالى المقالب التي تدبرها كل منهما للأخرى، في سلسلة طويلة من الضغوط، والبكاء والانهيارات العصبية، لكل منهما على حدة، يصحبها نوبات التشكيك في جدوى علاقتهما بشريكي حياتهما من الأساس، وهل حقًا يستحق الأمر كل هذا الضغط. والسؤال الأهم، إن كان هذا الشريك يشاركني هوسي هذا بالأساس، أو على الأقل يحترم هوسي ويقدره، كأول اختبار حقيقي لاختلاف الاهتمامات بين الذكر والأنثى. أصمت وأتوتر قليلاً، وأقرر تغيير المحطة، والتفكير بالفيلم التالي.
2. Bridesmaids
يصور لنا Bridesmaids صديقة عمر البطلة وهي تتزوج، ويُلقى على عاتق البطلة، وباقي صديقات العروس، مسؤولية إسعاد العروس، وتيسير أكبر قدر ممكن من التعقيدات، لتنعم -بأقل قدر من التوتر- بفرح سعيد. ولكن تأتي الحبكة الدرامية، بانتهاج هؤلاء الصديقات لنفس هوس الكمال، بل ويزِدن الأمور تعقيدًا، بروح تنافسية غير مبررة، فيتبارين فيما بينهن، لإبهار وإسعاد العروس، فيدللن بذلك على حبهن الخالص لها. فتكون النتيجة أن تنهار قواهن النفسية والعصبية، بأخر الأمر. ويؤدي هذا إلى خسارة صديقة العروس الأقرب والبطلة، لصديقتها، في مشهد ترثي به نفسها، وتعلن فشلها الكامل بتأدية دورها، وصيفة للعروس.
أفكر بالتبعية في نفسي وصديقاتي المتفهمات الذكيات، اللائي يمطرنني بعروض المساعدة، نفسية كانت أو جسدية. فأحمد ربي وأشعر أن كل شيء سيكون على ما يرام، ما دام لديَّ هذا الملاذ الآمن. لأقرر تغيير المحطة طوعًا، والتفكير في الفيلم التالي، والمفضل لديَّ بواقع الأمر.
3. Runaway Bride
كثيرًا ما تخيلت نفسي بمكان Maggie، في Runaway Bride، فبينما أعلم كوني إنسانة متشككة في كل الثوابت، ومتخوفة من ثبات أي متغير في نفس الوقت، اعتدت حياة العزوبية. وبعد تحايلات كثيرة وتجارب وإخفاقات، أعتقد -كوني قد علمت من أين تؤكل الكتف- بإمكانياتي المتاحة، كفتاة مصرية بمجتمع مصري، لألقي بكل هذه الخطط المدروسة والمجربة، لأقرر بوعي كامل، الامتثال بكل حواسي، لخطة جديدة قيد التعديل والدراسة. وكأي خطة جديدة، نتسلمها بكل باكيدج “ماذا لو…؟!”. ماذا لو أصابني الملل، وشعرت بكون هذا ليس مكاني الأمثل؟ ماذا لو كان الحِمل أثقل من قدرتي على التحمل، فأنهار وربما أذبل وربما…؟!
حقيقة الأمر أني كثيرًا ما تخيلتني أهرب يوم زفافي، ولا أعلم إلى أين أذهب. حتى وصل تلاعب عقلي الباطن بي، أن رأيت هذا المشهد في حلم قبل زفافي بأيام قليلة. ولكن عقلي الواعي المستهتر الجميل، أهَّلني للتعامل مع هذا الخوف المحدق، بعدما صاغ الأمر بشكل أكثر كوميديا. فعندما كانت تنهال عليَّ صديقاتي بسؤال عن مدى تأكدي من هذه الخطوة، ومدى إدراكي لصعوبتها، حتى أخبرهن بكل سلاسة، بأن قد فاتني وقت الهروب، فإن أردتن إنقاذي، فعليكن اختطافي. فقد أعلنت عن عمليتي الانتحارية، ووهبت نفسي لهذه الزيجة.
حقيقة الأمر أني الأكثر تفهمًا لخوف البطلة، رغم كونها أحبت البطل حقًا، لكن خطوة الزواج بعيدًا عن كل ضغوطها المادية والمعنوية، فهي خطوة جد مخيفة، ليس لي وحدي، ولكن لشريكي أيضًا، فهو إنسان لديه مخاوفه، ولديه بالتأكيد هذا الـcomfort zone الذي سيقفز عنه طوعًا مثلي تمامًا.
كانت هذه الرحلة البصرية كافية، بأن أتذكر كل مخاوفي، التى سبقت قرار تحديدي ليوم زفافنا هذا. اليوم الجلل الذي كان مادة خامًا لصياغة ملايين الحبكات الدرامية، لأفلام على مر الأجيال، من كم تعقيداته. لذا إليكن صديقاتي الحبيبات، المقبلات على القفز خارج الكوفورت زون، طوعًا وليس كرهًا، دليلك السريع، لفرح بأقل انهيارات عصبية، وبحبكات درامية بسيطة وحياتية، من واقع تجربتي كفتاة مصرية أصيلة:
1. تعالى نلضم أسامينا الفلة جنب الياسمينة
عليكن إيجاد صيغة لحل الخلافات بينك وبين شريك حياتك، بتقوية التواصل بينكما، بأي طريقة، أيًّا ما كانت. لا تراكما الأمور حتى لا تبتلعكما، أو تشكل وحشًا كبيرًا يُدعى التشكك، يلتهمك وحيدة، ليتركك متشككة في كون هذا الشخص هو المناسب من الأساس، وإن كان يستحق حقًا كل هذا المجهود المبذول، نفسيًا وجسديًا.
عليكما بالمصارحة قدر الإمكان، وقدر استطاعة الآخر، لتلقِّي واستيعاب هذه المصارحة، دون أن تنسي أنه إنسان لديه هفوات، ولديه أوقات لا يكون فيها بتركيزه الكامل ليستوعب. وهذا إنسانى يا صديقتي صدقيني. فبينما لم يحالفك الحظ بأن تتزوجي super man أو سوبر هنيدي أو أي كائن معدل جينيًا بشكل أو بآخر، فسامحيني إن أخبرتك بأن عليكِ التصالح، والتعامل مع إنسانيته بكل تقدير، لكونه إنسانًا، لديه من المخاوف والمشغوليات، وطرق التفكير التي تختلف عنك أحيانًا كثيرة.
2. وخاصمتك وصالحتك تاني
تأهلي نفسيًا لكم من الخلافات المتوقعة، بينك وبين شريكك. فلتكوني بالوعي الكافي لتفهم أن هذا ليس لعيب بالعلاقة دومًا، ولكن الضغوط توتِّركما، وتوتِّر كل المحيطين، فلا تستسلما لهذا التوتر، ولتحيطا نفسيكما قدر الإمكان بأشخاص لا يزيدونكما توترًا فوق توتركما، ولتتحليا ببعض الصبر.
3. القانون مفيهوش زينب
هذه الجملة التي رددها فؤاد المهندس بمسرحية “أنا وهو وهي”. لا يوجد أي قانون، دولي أو جنائي، يلزم الطرفين بأن يكون المنزل كاملاً مكملاً، بكل ما هو مهم، وأهم وأكثر أهمية قبل الزواج. فلنتصالح بكوننا نحيا حياتنا ساعين للكمال، ولكن لا نحققه، لأنه غير قابل للتحقيق، ولكون الكنز في الرحلة حقًا، فهذا ليس بكلام أغانٍ يا صديقتي.
فلنتصالح مع كون وحش الرفايع والكماليات لن ينتهي، ولندرك أن المنتجات الملونة السعيدة المغرية، باهظة الثمن الشريرة هذه، التي تعدك بحياة أسهل، وبتقشير بطاطس أبسط، وغسل الصحون دون أن تعاني من قشف اليدين، بينما يتطاير حولك اليونيكورن السعيد، لن تجدد داخلك سوى شعور خانق بالنقص، وكأنك قصَّرت نحو ذاتك، إن لم تمتلكي هذا الجهاز، وهذا، وربما هذا أيضًا. فأنت لست أقل من بنت خالتك وبنت عمتك، وتستحقين حياة وردية أيضًا، ولكن نقطة نظام.
أعتقد أن من الحماقة، أن تقرني سعادتك بما تمتلكينه، فليس هنالك score ستحققينه، بامتلاكك لتلك الأشياء، وليس لكل هذه الأشياء أهمية قصوى، كما يغرينك البائعات. أعتقد أن التجربة خير دليل يا صديقتي. فلتبدئي بأيٍّ ما كان من إمكانيات متاحة ومتعارف عليها، ولتعرفي مع الوقت ما تحتاجينه حقًا، ولنتفكر حينها في أفضل المنتجات المتاحة، لتغطية هذا الاحتياج. وهذا بالتأكيد سيبعد أطنانًا من القلق والتوتر عن كاهلك، صدقيني.
4. كوني ماكرة واتخذي طريق صلاح سالم
لا تخترعي العجلة يا عزيزتي، فأنتِ غير مطالبة بذلك من الأساس. ما عليكِ سوى سؤال ذوات الخبرة بهذا. وإن أحرجك سؤال صديقاتك، فهنالك بالجروبات النسائية على وسائل التواصل الاجتماعي، ملايين الفتيات ذات التجارب المشابهة، والتي ستجاوبنك بحب دون أن يعرفنك، ودون أي أطماع. هذه الأسئلة تبدأ من “أين أجد زرعًا صناعيًا رخيصًا بمثل هذا الشكل؟”، وتصل إلى “أين أجد جزامات عصرية وبسعر مناسب؟ أين أجد قاعات أفراح في حدود هذا الكم من الجنيهات؟”. كل هذا وأكثر صدقيني، فقط بقليل من البحث، ستجدين ما تبحثين عنه، محفوفً بكل ود وحب.
5. كونى له فوزية رأفت يكون لكِ حنفي
إنه اليوم الأهم بالتأكيد يا -فوزيه-، وعليكِ أن تكوني في أجمل صورة لكِ بالطبع. كلنا نتمنى هذا يا صديقتي، ولكن الحياة بلا ضمانات. حاولت أن أختار الفستان الأفضل من وجهة نظري، ولكن بعد أن خسرت ثلاثة أحذية في رحلة بحثي عن بطل الحفل (فستان الفرح)، لأتذكر موقفًا حدث لصديقتي يوم زفافها، وكانت قد نست في زحمة كل شيء أن تضع طلاء أظافرها، وكانت من المولعين باللون الأحمر الدامي. لتقرر أن تضعه على عجالة، بينما هي بكامل حلتها. ليسقط الطلاء على الفستان، بكل بساطة، مُخلِّفًا حنقًا لعنان السماء، بنفس اللون الأحمر الدامي.
لأقرر أخذ نفس عميق قدر الإمكان، بهذه الأجواء المتوترة، وأقرر أني فقط سأسعى، وليس عليَّ إدراك النجاح، وسأدعو من كل قلبي أن يكون كل شيء على ما يرام، لأني أتمنى حقًا من كل قلبي، أن يكون كل شيء على ما يرام، وسأركز عقلي بأن أحاول أن أتمتع بالتفاصيل قدر الإمكان، ولا أحيلها إلى عبء.
مررت بالتجربة كاملة. ولست نادمة على أي تفصيلة، وإن عاد بي الزمن، فسأكررها بنفس القناعات، إلا تفصيلة واحدة، حذاء الفرح اللعين ذا الكعب العالي الشرير. كان حضوره ضبابيًا للجميع وللمصورين، إلا على قلبي، فقد كان كابوسيًا، بداية من سعر الحذاء، الذي أندم عليه الآن، إلى آلامه المبرحة، التي لم أستفِق منها، إلا بعد أيام من الفرح. وبينما أحاول تحفيزكن على الاستمتاع بهذا اليوم قدر الإمكان، دون اهتمام مبالغ، بأن يكون مثاليًا، أذكركن بشدة بأن تخترن حذاء مناسبًا ومريحًا.