Ben is back: الأمومة التي لا تعرف الاستسلام

784
Ben is back
بوستر فيلم Ben is back

عودة

في فيلم Ben is back تواجههوليالعودة المفاجئة لابنها المدمن من مركز التأهيل بالأحضان والدموع، بينما يواجهها زوجها وابنتها بالترقّب والخوف!

أحضانها الترحيبية لم تمنعها من الإسراع إلى إخفاء كل الأدوية، التي يمكن أن تشكّل خطرًا على مدمنٍ يحاول التعافي، ومن إبعاد كل المجوهرات الثمينة عن أنظاره. لم يمنعها الشوق الجارف من الحرص الدائم، سعادتها البالغة برؤيته لم تقف في طريق عقلها الذي وجهها إلى مرافقته ووضعه تحت ناظريها طوال الوقت، ورفع أسوار الحماية والرقابة إلى أقصى حدٍّ ممكن.

الأم تعرف كيف تجمع بين الحُب المفرط والحرص الشديد في نفس اللحظة.

الأم لا تتخلّى، ولا تيأس.

حين يأس الجميع واستسلموا وأقرّوا أنه لا أمل من أن يكون “بين” شخصًا صالحًا يومًا ما، لا أمل له في التعافي، ولن يتمكّن من إدارة حياة سويّة، تظل الأم هي الوحيدة التي تأمل في إصلاحه وتصدّقه.

حتى حين تخوض معه رحلةً مؤلمة، تعودُ بهِ إلى أماكن لا يرغب في رؤيتها، وأشخاصٍ يهرب من مواجهتهم، حين ترى كل الفظائع التي ارتكبها ابنها، طفلها الذي حملته وأرضعته وسهرت على راحته، طفلها الذي كانت تظُنّ أنها تعرف كل شيءٍ عنه، وكانت كذلك حقًّا حتى لفظها وطردها من فلَكِهِ ليسير وحيدًا في رحلة إدمانه القاسية.

هذا منزلٌ سرقه، وهذا شخصٌ كان يساعده بالمواد المخدرة، وهذا منزل الفتاة التي فارقت الحياة بسببه، وأمّها خلف البابِ لا زالت تبكيها أنهارًا. حتى في تلك اللحظة الأم لم تتخلّى، ولم تُفلِت يدها، لم تتركُه وحيدًا في ظلمات الطريق. هي وحدها تصدّق أن الطفل الصغير البريء الواعد الذي ربّته لا يزالُ موجودًا في مكانٍ ما داخل هذا الشاب المحطّم.

الأم لا تتخلّى، ولا تيأس.

أحضانُ الأمهات هي الملاذ الوحيد

إذا سألت أي أمٍّ عمّا تُريدُه لأبنائها، ستكون الإجابة شبه متطابقة، أن يكونوا بأمان وبخيرٍ، وبصحة، وسعادة. ويمكننا التوقّف للحظات أمامالأمان“. تكونُ أحضانُ الأمهات هي الملاذ الوحيد الذي يعرفهُ الأبناء كمصدرٍ للاطمئنان والسّكنِ والأمان في أعوامهم الأولى، تمرُّ بهم السنون ويظُن الطفل الذي كبر فجأة أنه صارَ في غنى عن هذا الحضن، وأنهُ أكبرُ من الحماية، وتوافق الأم على مضض أن تفتحَ لهُ المساحة، وتتخذُ دورَ المشاهد.

ثمّ يعودُ الطفل الكبير أدراجهُ إلى ذراعيها مع كُل كارثة، مع كُل موقفٍ يهدّد أمانه ويوقظ في داخله الطفل الصغير الخائف الذي يبحث عن حضن أمه. يعود ليرتمي في أحضانها ويبكي، ويطلب المساعدة تمامًا كما كان يفعل حين تنكسر لعبته، أو يتعرّض للإيذاءِ في المدرسة أو الشارع، أو يخافُ من ظلام الغرفة، ومن الوحش تحت السرير، ويقفُ خلف ظهرها لتحميه من غدر العالم ووحوش الإنس والجن.

كُلّ أمٍّ تحملُ في داخلها شعلةً متّقدة

رغم كل الألعاب المتكسّرة، والأكل المتناثر، والمنزل الذي يغرق في الفوضى، وسط كل الخيبات والإخفاقات، والدموع ونوبات الغضب، يظلّ هناك دائمًا أملٌ ما متّقد داخل الأم يدفعها للاستمرار. حين ينفجرُ طفلها غضبًا للمرة السابعة في اليوم الواحد، وحين يرفض الاستماع، والاعتراف بأخطائه، حين تكثر مصائبه وتقل اعتذاراته، وحين يخفت صوت الدعم، وتنسحب أيادي المساعدة.

ربما تنفجر الأم باكية وحدها في غرفتها، تدفن رأسها في الوسادة، حتى لا يسمعها أحد، وتتمتم لنفسها بكُل عبارات اليأس الممكنة، تتهمُ نفسها بالفشل، وتتهمُ العالم بالقسوة، تنزوي في ركن الغرفة وتقاوم الرغبة في الاختفاء إلى الأبد. لكنها لا تستسلم، وتظل ممسكةً بحبلِ الأمل أنّ الأيام السيئة ستنتهي، وأنّ هذا الطفل سيكبُر وهذا الغائب سيعود، وهذا المريض سيُشفى، وهذا المخطئ سيعرف خطأه وسيعتذر. ربما ليس الآن لكن يومًا ما.

هذا التمسّك يعطيها القوة لتترك الوسادة المبتلّة، تجمع قطع اللعبة المتكسّرة، وتجمع شتات نفسها، وتنهض من جديد. كُلّ أمٍّ تحملُ في داخلها شعلةً متّقدة، ربما لا تلحظُ وجودها هي نفسها، إلا حينَ تُصيبُ أبناءها نائبة ما، حينها تعيد اكتشاف ذاتها، ويخرجُ وهجُ الشّعلةِ إلى العلَن.

حين تسقُط طفلتها مريضة، حينَ يقعُ ابن مراهق في براثن الإدمان أو الانحراف، حينَ يهاجرُ ابنها البكري تاركًا وراءه الذكريات والحياة كلها، حينَ تفقدُ أحدَ أبنائها ويكون عليها الاستمرار لأجلِ الآخرين، بقلبٍ ناقص، وبعينٍ يجبُ أن تكُفّ عن البكاء، ويجبُ أن تستمرّ حتى لا تفقد بقية أبنائها في هوّة الحزن.

حين تفقدُ شريك حياتها، أو يقرّر هو تركها وحيدة، وحين تضطرّ هي للابتعادِ وحملَ كُل شيءٍ فوقَ رأسها وحدها. حينها تتقِدُ الشعلة، حتى أنها تكادُ تحرق صدرها.

لا أحد يرغبُ في رؤيته يتعافى مثل أمه

هوليلم تستسلم لأنها كانت تعرفُ كيفَ تجِدُ الشعلة في داخلها، وتعيدُ إشعالها في كُل مرة، ربما كان صدرها مشتعلاً محترقًا، لكنّه كان أيضًا متّقدًا بالأمل. حتى عند اعتراف ابنها لها أنهُ كان يكذبُ في كثيرٍ من المرات، احين اختارت هي أن تصدّقه، لم تتوقّف عن تصديقه قط، ولم تتوقّف عن إعطائه الفرص.

الفرص التي ربّما لن يجدها في الحياة من غير أمّه، لأنه لا أحد يرغبُ في رؤيته يتعافى مثل أمه، التي تعرفُ أنهُ ضلّ الطريق، مع أنها لم تُفلِت يدهُ ولو مرة، ومع ذلك ربّما تلومُ نفسها كل ليلة، أنها لم تكُن حريصةً كفاية، لم تكُن متيقّظة، لم تبحث وراء الإشارات، مع أنها فعلت كل ذلك وأكثر.

أنتِ لستِ وحدك

لكُل أمٍّ يتملكها إحساس أنها وحيدة، مُجهدة، ومنطفئة، أنّ الأحمال رُبّما تفوق احتمال ظهرها وقلبها ويديها، وأنّ هذه الفوضى لا نهاية لها، وأنّ الطريقَ ممتدٌّ بلا نهاية وبلا مقاعد استراحة، وبلا علاماتٍ موَجِّهة.. أنتِ لستِ وحدك، سبقتكِ أجيالٌ من الأمهاتِ المتّقداتِ أملاً، وسيأتي من بعدِكِ أجيالٌ وأجيال يحملونَ ذات الشّعلة.

وحدكِ تعرفينَ كيف تكتبينَ حكايتك، مهما حادَت بكِ الطرق، الشعلةُ في داخلِكِ ستُنقذُكِ دائمًا وتنقذ أبناءكِ.

اقرأ أيضًا: الأمومة بين كتب التربية الحديثة وصراعات الواقع

المقالة السابقةعن الهروب: ما بين “ليه لأ” وUnorthodox والأقرب للمصريات
المقالة القادمةإليك تجربي مع الولادة القيصرية بداية من العلامات لشفاء الجرح

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا