قصة فيلم الفيل الأزرق 2 من وجهة نظر الطب النفسي

3570

كان لطرح فيلم الفيل الأزرق 2 بالسوق المصرية احتفاء كبير، نظرًا لتقنيات التصوير العالية التي استخدمت، وكوكبة النجوم المشاركين، ما جعل من الفيلم تجربة بصرية تستحق المشاهدة، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. لكن هذا لم يمنعنا كمشاهدين من إدراك بعض السقطات بقصة الفيلم والمحتوى المقدم لغزل الحبكة الدرامية. فبينما يناقش الفيلم امتدادًا لخط أحداث الجزء الأول، عن طريق إعادة استدعاء الطبيب “يحيى” إلى مستشفى الصحة النفسية بالعباسية، والذي نجح بالجزء الأول في طرد الجن النكاح المسمى “نائل”، والذي تلبس صديق شبابه بالجامعة وتسبب فى قتله لزوجته دون وعي منه. يستدعونه بناء على طلب نزيلة جديدة بملف إجرامي معقد، لكنه يشبه في ملابساته الملف السابق لصديق البطل بالجزء الأول.

معضلة الفكر الجمعي

نعلم جميعًا أن الفكر الجمعي لوطننا العربي يعترف على مضد بالمرض النفسي، ولا يعتبره مرضًا بالأساس، فيصنف مرتادي الأطباء النفسيين إلى نوعين لا ثالث لهما، فهم إما مجانين وفاقدون للأهلية وإما يحتاجون إلى فضفضة مع شخص مختص، وهذا النوع الثاني ينصحونه بالصلاة والتقرب من الله عادة. ليس فقط المجتمع كأفراد، ولكن أيضًا المؤسسات، فمن الطبيعي ألا تجد الطب النفسي مدرجًا بقائمة التأمينات الطبية، فهو يعد بنظرهم مجرد رفاهية، وليس من المفاجئ كون هذا التقييم متداولاً بين كثير من المثقفين، فما بالك بالطبقة الأقل وعيًا والذين يفسرون أيًّا من أعراض المرض النفسي كونها مسًا شيطانيًا، فتجدهم يهرولون إلى المشعوذين لصرف هذا الجن، ما يضعهم تحت طائلة ملايين من النصابين والدجالين. وهذا ما حاولنا جاهدين تصحيحه بعقول الناس، بتوعيتهم للمرض النفسي وأعراضه.

فيأتي هذا الفيلم بعد ملايين المحاولات من الأطباء النفسيين، لإزالة هذا الصدأ الفكري المتراكم عبر السنين، ليرسخ الفيلم هذا الفكر من جديد، ويعود بنا إلى نقطة الصفر بأسطوانة الجن العاشق، وليس هذا فقط، ولكن تدنيس أسماء كبيرة في مجال الطب النفسي، كمستشفي العباسية للصحة النفسية، والخانكة، واللذين يقدمان خدمة طبية بأسعار رمزية لشريحة كبيرة من مرتاديها، فيصور أطباءها بصورة مشعوذين يصرفون الجن ويقف علمهم عاجزًا أمام مئات من الحالات تسكن الأرشيف، ناهيك بالزج بمصطلحات علمية لأمراض نفسية في غير موضعها تمامًا، مما يحركنا سنوات إلى الخلف في قضية تصحيح الفكر الجمعي وتوعية الجمهور بالبعد عن الدجل والشعوذة.


لتفاصيل طبية أعمق، كان لنا حوار مع د. دينا الشيخ (أخصائي الطب النفسي وعلاج الإدمان للبالغين والمراهقين)، لاستيضاح بعض النقاط من منظور العلم.

الفيل الأزرق 2
بوستر فيلم الفيل الأزرق 2

هل حقًا توجد حالات بالأرشيف لم يتوصل العلم إلى حلها كما تم التنويه بالفيلم؟

الحقيقة أن العلم لطالما كان يملك تفسيرات منطقية لظواهر غير طبيعية، فللمثال وليس الحصر، وعلى نفس منوال الأفلام التي ناقشت أعراض مرضية بغير موضعها، نتذكر جميعًا فيلم The Wolfman أو ما شابهه من أفلام تعرض نفس التيمة لرجل يغطي جسده الشعر الكثيف، وكان من الأسهل حينها تعريفه بالرجل الذئب، بينما للعلم تحليل واضح لهذه الحالة، فببساطة هذا عرض من أعراض النقص الحاد في نسبة حديد الجسم، مما يتسبب في تغيير لون جلد المريض وتجعده بصورة ملحوظة، بينما يعاني من زيادة في معدل نمو شعر الجسم والأظافر.

وهنالك حالة أخرى تم مناقشتها في فيلم الرعب الشهير The Exorcism of Emily Rose الذي يعرض قصة فتاة أمن الجميع وأقرت الكنيسة بكونها ممسوسة من الشيطان، بينما للعلم تفسير واضح لكل الأعراض التي عانت منها البطلة من أكل للحشرات والحوائط وهلاوس سمعية وبصرية مصاحبة لتشنجات قويه بالجسم، بل الأكثر من هذا فقد تم اكتشاف اقتران بعض من الأعراض النفسية لأمراض عضوية بالأساس. كل هذا وأكثر، ولكن عادة ما كان من الأسهل أن ترنو الفئة الأكبر للخرافات، بدلاً من التحليل العلمي كونه غير متداول بشكل كبير.

تعرفي على: قصة فيلم بشتري راجل بطولة نيللي كريم

الأمراض النفسية والفرق بينها

تم ذكر الكثير من الأمراض النفسيه بالفيلم مثل السكيزوفرينيا واضطراب ثنائي القطب واضطراب الشخصية الحدية، بوصف مموه وغير واضح، فهل من الممكن توضيح الفرق بينها؟

الشيزوفرينيا أو السكيزوفرينيا والفارق بينها و بين تعدد الشخصيات:

الفيلم الأزرق 2
نيللي كريم في مشهد من فيلم الفيل الأزرق 2

يتداول الناس مرض الشيزوفرينيا أو السكيزوفرينيا كون المريض يعاني انفصامًا بالشخصية، في حين أن مرض الانفصام هو مرض مختلف تمامًا، ويمكننا تسميته بتعدد الشخصيات، وهو مرض غير منتشر بالحقل النفسي عمومًا، فنحن الأطباء يمكن أن نحيا عمرنا كاملاً في مزاولة المهنة ولا نقابل إلا حالة واحدة فقط، وعليه إن وثَّقنا مرضى تعدد الشخصيات كنسبة انتتشار بين الناس بـ5%، حينها نجد مرض الشيزوفرينيا أو السكيزوفرينيا منتشرًا بنسبة 75%، وتكون أعراض هذا الأخير عبارة عن اضطرابات حادة في الأفكار والمشاعر والسلوك، لكن ليس لديه أكثر من شخصية.

فكمثال سيظل أحمد هو أحمد، ولكن سيظهر عليه سلوكيات غريبة يتم رصدها من المحيطين، بينما يعاني هو نفسه من أفكار ومشاعر غاية في الاضطراب. بينما انفصام في الشخصية أو تعدد الشخصيات هو مرض نادر جدًا، وهم أناس كان رد فعلهم على صدمات تعرضوا لها سابقًا بأن يبلورون داخلهم أكثر من شخصية كحل للخروج من هذه الصدمة، ويكون حينها لكل شخصية اسمها ولبسها وطريقة حديثها المختلفة تمامًا عن الأخرى، وهذا ما تم عرضه في فيلم split مثلاً.

اضطراب ثنائي القطب Bipolar disorder:

الفيل الأزرق 2
هند صبري في مشهد من فيلم الفيل الأزرق 2

يتشدق الكثيرون بإصابتهم بهذا المرض، فقط لكونهم يعانون من التقلب المزاجي بين الفرحة والحزن المفاجئ، بينما حقيقة الأمر كون هذا المرض مرضًا في غاية الصعوبة، فهم مرضى يعانون من اضطراب فى المستقبلات العصبية بالمخ، فتجدهم يسعدون حد الهوس، ويحزنون حد الاكتئاب، ولا شيء بينهما، فمن التهويل إطلاق هذا المسمى على شخص فقط يعاني بعض تقلبات المزاج.

اضطراب الشخصية الحدية Border line:

الفيل الأزرق 2
نيللي كريم وكريم عبد العزيز

هذا المرض يعد وصفه وصمة عار كبيرة، ليس فقط بمجتمعاتنا العربية، ولكن بكل المجتمعات. بالتأكيد نتذكر المشهد الذي جمع كريم عبد العزيز وزوجته نيللي كريم ليخبرها “إنتي كده بقيتي Border line“، وكان تحليله مبنيًا على كونها تعاني مؤخرًا بعضًا من التقلبات المزاجية، وتغيير مفاجئ في طريقة لبسها. بينما المرضى الحقيقيين بهذا المرض يعانون معاناة كبيرة، ويستغرقون بالعلاج فترات طويلة جدًا، بينما يعانون من نظرة المجتمع والناس لهم كخارجين عن القانون المجتمعي، ذوي أساليب انحرافية وكاسرين للقواعد المتعارف عليها، بينما هم يعانون من مشكلات كثيرة. وتعد هذه الاضطرابات السلوكية مجرد عارض لمعاناتهم. فلم يكن من المفيد إطلاقًا الزج بمسمى بهذه الصعوبة على امراة تعاني من تقلب المزاج.


من المؤكد كون السينما والفن عاملين مهمين جدًا في تغيير الوعي الجمعي للشعوب، فبينما نشعر بالفخر الكبير لقدرتنا على إنتاج فيلم بهذا التميز البصري، فسيكون من الأفضل لجميع الأفراد المعنية أن يكون ذا أثر إيجابي مجتمعيًا، وليس فقط فنيًا. وهذا بالتأكيد ليس بالحد من خيال الكتاب، ولكن سيكون من المفيد مراجعة كل المعلومات الطبية المدرجة بالعمل، خصوصًا التي تتمحور حول الطب النفسي، مما يؤهل المجتمع بتخفيف وصمة العار عن المرضى النفسيين، والتخفيف عنهم عن طريق تقبلهم وليس لفظهم والإشارة إليهم بأصابع الاتهام، وسيزيد من وعي الأهالي والأفراد أنفسهم بالتفكير بمراجعة طبيب نفسي، فور ظهور أعراض مشابهة، وليس إعادتنا سنوات ضوئية للخلف بدعوة مستترة لزيارة الدجالين والمشعوذين.

المقالة السابقةدروس اتعلمتها من الاكتئاب
المقالة القادمةاكتئاب ما بعد الولادة

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا