“دنجل” مش زي أي فيلم هندي

6445

من قال إن الأب فقط هو ذاك الشخص الذي يرى في نفسه مجرد بنك لأسرته، دوره الإنفاق فقط على أبنائه وإعطاء الأوامر التي لا تُعصى؟!

هناك نوع آخر من الآباء قد لا يملك المال أو النفوذ، ولكنه يملك قلبًا وحلمًا يدفع أبناءه لأن يكونوا من العظماء الذين ينحني لهم العالم أجمع، على إنجازاتهم الكبيرة ويرفع القبعة لهم احترامًا وتقديرًا، كما ظهر في الفيلم الهندي “دانجال” أو “المصارعة”

حيث حلم الأب أن تفوز ابنتاه بالميدالية الذهبية في الألعاب الأوليمبية في المصارعة، ولم يهدأ حتى حققتا حلمه.

قصة الفيلم الهندي دانجال

في ذلك الفيلم -من إنتاج شركة ديزني بالتعاون مع شركة أميرخان الهندية- ننسى جملة “فيلم هندي” التي نسمعها بين الحين والآخر كسخرية من قصص الأفلام غير الواقعية، لنرى فيلمًا حقيقيًا ليس فقط في حبكته ومضمونه، بل في قصته الإنسانية

فالفيلم يحكي قصة حقيقية لأب قرر تحدي الواقع من كل النواحي، فتحدى الفقر الشديد الذي يعيش فيه مع أسرته وبناته الأربع، وتحدى العادات والتقاليد التي ترى في البنات مجرد ربات بيوت

وتحدى نظرة المجتمع من حوله بقراره أن تدخل بناته مجال المصارعة، ذلك المجال الذي كان مغلقًا تمامًا في فترة الثمانينيات أمام أي فتاة، ليحقق حلمه بأن يحصد الميدالية الذهبية في الألعاب الأوليمبية لبلاده.. الهند.

اقرئي أيضًا: قصة فيلم Whiplash: ما لا تعرفة على التعلم واتباع الشغف

الفيلم من بطولة “أمير خان”، ذلك النجم الذي كرَّس أفلامه الأخيرة من أجل خدمة قضايا المجتمع الهندي مع لمحة تجارية شعبية، حيث يلعب دور المصارع الوطني “ماهفير سينج فوجات” الذي كان من الهواة

فلم يستطع الفوز بجوائز عالمية في مجال المصارعة بسبب أبيه الذي أجبره على ترك المصارعة من أجل الحصول على وظيفة مربحة، فظل الحلم يراوده بأن يزرع ذلك الحلم في أبنائه، ولكن خاب أمله بعد أن أنجب أربع فتيات، فشعر بضرورة التخلي عن هذا الحلم تدريجيًا.

بعد أن ضربت “بابيتا” و”جيتا” ولدين من أبناء الجيران ردًا على السخرية منهما، يعود الحلم ليطرق حياة “ماهفير” الرجل الفقير، فيبدأ بتدريب ابنتيه “بابيتا” و”جيتا” بشكل قاسٍ فيقص شعرهما، ويفرض عليهما ارتداء ملابس الرجال، والتدريب صباحًا ومساءً وعدم تناول الطعام إلا بشروط معينة.

ترفض الفتاتان في البداية رغبة أبيهما بكل طريقة ممكنة، حتى يحضران مصادفة زفاف صديقتهما -لم تتجاوز الـ14 عامًا- وهي تبكي، فأهلها لم يروا فيها سوى فتاة تتزوج لتنجب وتخدم زوجها، بينما “بابيتا” و”جيتا” لديهما ذلك الأب الذي يحرص على زرع الطموح فيهما ويرى فيهما الإمكانيات لفعل أي شيء، فليس لديه تلك النظرة العنصرية تجاه الأنثى.

اقرئي أيضًا: من وحي فيلم Ballerina: فيكتور صديقي الذي أفتقده

وبالفعل تبدأ “جيتا” في التدريب مع الرجال في قريتهم “بالالي” في “هاريانا” في الهند، ثم تنتقل إلى القرى المختلفة حتى تصل إلى مستوى يمكنها فيه هزيمة أي رجل أو شاب، وتحصل على البطولة الوطنية، ويأخذها والدها للأكاديمية الوطنية للرياضة في “باتيالا” استعدادًا للاشتراك في ألعاب “الكومنولث”.

وتظهر الأزمة.. فـ”جيتا” بمجرد التحاقها بالأكاديمية تنسى كل تعليمات الأب الخاصة بالمصارعة، وتنطلق في حياتها الجديدة مع أصدقائها من الفتيات وتهمل التدريب، وعندما تعود إلى قريتها لزيارة العائلة ويناقشها والدها تتحداه وتطلب منه أن تصارعه لتثبت له أن أفكاره أصبحت قديمة بالية لا تناسب العالم حاليًا

ولكن الهزائم المتتالية التي تحظى بها “جيتا” في أي مباراة تشارك فيها ثم التحاق أختها “بابيتا” في الأكاديمية تجعلها تعيد النظر في شكل حياتها.

اقرئي أيضًا: أنا لا أحب أبي، لماذا؟ وماذا أفعل؟

تقنع “بابيتا” أختها “جيتا” بضرورة الاستعانة بوالدها للفوز في دورة ألعاب الكومنولث، خصوصًا بعد هزيمتها في أكثر من مباراة في بداية الدورة، وبالفعل يعود الأب ويبدأ في مساعدة ابنته سرًا بسبب منع الأكاديمية ذلك

وتفوز “جيتا” بالميدالية الذهبية في المصارعة كأول امرأة هندية تفوز بتلك الجائزة على الإطلاق، وذلك في عام 2010، بينما فازت أختها “بابيتا” بالميدالية الفضية.

وينتهي الفيلم ببكاء الأب بينما تقلده “جيتا” الميدالية التي حصلت عليها.

الفيلم نال جوائز في مختلف المهرجانات، حتى يمكن اعتباره أكثر فيلم هندي حصد جوائز في تاريخ السينما الهندية، محققًا إيرادات وصلت إلى 240 مليون دولار على مستوى العالم، ليصبح أول فيلم هندي يجمع حوله النقاد والجمهور في الإشادة به، ويحصد المركز الخامس كفيلم غير إنجليزي يحظى بإقبال الجماهير عالميًا، بعد أن قدم معنى جديدًا ومختلفًا للأبوة، بعيدًا عن التقاليد والعادات القاتلة لطموح الفتيات، والتي توئد أحلامهن البسيطة.

في النهاية لا يمكن مشاهدة فيلم “دانجال” دون الاستعداد للبكاء على مشاهده العظيمة الجياشة بالعاطفة، سواء حب، خوف، قلق، فخر بين الأب وبنتيه، فهناك المشهد الذي تتصارع فيه “جيتا” مع أبيها لتخبره أن زمنه انتهى، والمشهد الذي يقرر فيه الأب تسلق السور للوصول إلى ابنته داخل الأكاديمية رغم سنه الكبيرة وقدرته البدنية الضعيفة، ورغم سخريتها منه قبل ذلك، والمشهد الأخير الذي يبكي فيه الأب وهو يحمل على صدره تلك الميدالية التي طالما حلم بأن يحملها.

ولا يمكن الاستمرار في مشاهدة قصته دون شعور بالفخر أن هناك أبًا قرر التخلي عن كل شيء وتحدى كل شيء فقط لتحقيق حلمه، ونجح في ذلك، حتى صار اسم فتاتيه “جيتا” و”بابيتا” يُضرب به المثل، ليس فقط في الهند بل على مستوى العالم كله، ليثبت أن السند الحقيقي كان ودومًا هو الأب، ذلك القلب النابض بحب بناته إلى الأبد.

المقالة السابقةمي وأحمد.. أكبر الخيانات الخذلان
المقالة القادمة3 وصفات جديدة لشوربة العدس
إنجي الطوخي
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا