كيف تعلمت الحياة من بطلات الأفلام

1259

نتذكر جميعًا من بين بطلات الأفلام شخصية دوري السمكة المصابة بمرض الذاكرة المؤقتة، بطلة فيلم الرسوم المتحركة البحث عن نيمو، ونتذكر جملتها الأشهر “إنت صوت ضميري؟!”، عندما كان يذكرها صديقها بمكانها وما إلى ذلك، عبر ترديده لبعض الحقائق، ولكن بصوت أجش يوحي بالعمق. حقيقة الأمر أنني لطالما تمنيت أن تكون لي ذاكرة سمكة ببعض الوقائع التي عايشتها وتعايشت مع نتائجها لسنوات طوال. أعتقد أن مشكلتنا الأكبر (نحن من ندأب على مراقبتنا لذواتنا) هو مدى تغذيتنا لصوت ضمائرنا هذا، حتى صار صوته متبجحًا للغاية، لا يمكن تداركه أو تناسيه، فما أن ندرك ما نحتاجه بوضوح حتى لا يمكننا الاندماج مع أي ما يكون، أو الرضا بأي من أنصاف الحلول، التي دومًا ما تقدمها لنا الحياة.

صوت ضميري

طالما كان صوت ضميري متبجحًا، لا يتوانى عن تخريب كل اللحظات البسيطة التي تجمعني بمن لا يناسبني مخالتطهم. يذكرني باستماتة بكون ما أحياه وقتًا ضائعًا من عمري القصير، والذي طالما تذمرت لكونه قصيرًا، وكونه لقصره هذا يطالبني بثبات لجعله يستحق أن يعاش. مع هذا الجلد المستمر للذات في محراب المحكمة التي يترأسها ضميري، صار عقلي مُدرَّبًا لتجنب هذه المحاكمة الرثة، عن طريق اختياري لنهج تخيل السيناريو الأسوأ لتوقعه قبل موعده، وعليه تأمين نفسي أو -على الأقل- تهيئة نفسي له. وحقيقة الأمر أنه من أسوأ أساليب التفكير التي تبنيتها.

توقع السيناريو الأسوأ

تتسارع السيناريوهات على عقلي في تأهب، لاغتنام الفريسة، أيًّا ما كانت المدخلات. ثم بالتأكيد أهيئ ذاتي بخلطة أعرفها عن ظهر قلب من خيبات الأمل وتوقع القليل، وحد سقف التوقعات في أي موقف. ليس لعلمي بكوني لا أستحق الأفضل، ولكن ليقيني بأن العالم لا يعطي الكثير عادة.

يمر الوقت بينما السيناريوهات تتكرر وخيبات أملي مجمدة وجاهزة بجعبتي. مع الوقت لم أعد أحتاج إلى مجهود لتوقع السيناريوهات السيئة، فهي تتكرر بكل ملل. فأنا بيقين قد حددت توقعاتي من الكون، وعاملته كصديق بخيل، مجبرة على مجاراة بخله، وبالتالي صرت في حالة انتظار وتعطش دائمين لأي مفاجأة سعيدة مخبأة هنا أو هناك.

كيف عالجتني بطلات الأفلام

كان من الممكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه، لسنوات طوال متشابهة ومملة، حتى واتتني لحظة إدراك بسيطة، بينما كنت أشاهد فيلم Eat Pray Love. منذ اللحظات الأولى وأنا أتفهم مرجعية Liz Gilbert في كل خطواتها نحو مستقبل غير مدروس الأبعاد. فبينما هي غير متأكدة من كل خطواتها بكل الاتجاهات، كانت أكيدة من شيء واحد، وهو أنها لا تريد أن تستمر الحياة على ما هي عليه.

حتى ساقتها قدماها مع مجموعة من الصديقات اللاتي تعرفت عليهن برحلتها إلى هذا المكان الخرب، لتردد الجملة التي أصابت حروفها كل كياني: “كلنا نريد أن تبقى الأشياء كما هي. نستقر بالعيش في بؤس لأننا خائفون من التغيير، خائفون أن تتحطم الأشياء إلى أنقاض. الأنقاض عبارة عن هدية. الأنقاض هي طريق التحول”. لأتفكر أنني بينما كنت أقولب خيبات الأمل وأجهزها، معتقدة بذلك أني أتذاكى على الواقع، فما كنت حينها إلا أهين ذكائي وأمنع نفسي من الحياة ومن اختبارات مختلفة وخيبات أمل جديدة، ستحمل لي قناعات جديدة أنا في أشد الحاجة لها، لأقولب شخصيتي الجديدة التي أنا متشوقة للتعرف عليها.

بطلات الأفلام
Eat-Pray-Love movie

We all want things to stay the same. Settle for living in misery because we’re afraid of change, of things crumbling to ruins… Ruin is a gift. Ruin is the road to transformation.

الرغبة في الكمال

لتقتحمني لحظة إدراك أخرى مع فيلم black swan بنفس عام إصدار الفيلم الأول 2010، كنت أعايش واقع البطلة بصدق، وقد توحدت مع رغبتها في الكمال، وأن تكون كل الأشياء على أحسن صورة ممكنة، ولا شيء أقل من ذلك، وبالتأكيد رأيت كيف دمرها هذا الشعور الحزين بالكمال غير الواقعي.

لكن لطالما رنت بأذني جملة مخرج المسرحية لها بيقين: “الشخص الوحيد الذي يقف عقبة في طريقك هو أنتِ”. لطمتني الجملة، لأتنفس بصعوبة وأفكر مليًّا في شعوري بالإحباط المتجدد من الحياة، فسألت نفسي إن كنت مريضة بمطالبة ذاتي بالكمال، مثل بطلة الفيلم، فربما خيبات أملي المتجددة من الكون سببها أني أتوقع سيناريو محددًا، وإن حاد عنه الواقع أُصِبت بخيبة أمل. ترى ما العمل؟! ربما إن استرخيت وتخلصت من هذه الصور المعلبة بعقلي لفاجأني العالم بشيء أجمل، أو أسوأ! من يعلم! لننتظر ونرى! ولكن الأهم أن أحرر نفسي من توقعاتي، حتى لا أقف عقبة في طريق نفسي.

بطلات الأفلام
black swan

العظمة الحقيقية

لحظات إدراك أخرى وأخرى انتابتني من بطلات الأفلام ولكن أصدقها. كان أثناء مشاهدتي لفيلم Elizabethtown على لسان Claire بطلة الفيلم والتي كانت شخصًا غاية في الاختلاف والإلهام من وجهة نظري، تحب الحياة بطريقة مختلفة ومقنعة ومنطقية إلى حد جميل. تقاطعت طرق البطل والبطلة في فترة كان فيها البطل Drew يعاني من شعور حاد بالفشل، بعد أن خسر وظيفته بأكثر طريقة محبطة ومثيرة للشفقة. فما كان يتوقف عن ذكر مدى فشله أو شعوره بعدم الاستحقاق. حتى جمعه مشهد مع البطلة، بينما صرخت به بالكلمات التالية، وكأنها تصرخ بى أنا: “هل تريد حقًا أن تكون عظيمًا؟ إذًا كن بالشجاعة الكافية لتفشل فشلاً ذريعًا، ثم استمر واتركهم يتساءلون لمَ لا زلت تبتسم! هذه هي العظمة الحقيقية”.

You want to be really great? Then have the courage to fail big and stick around! Make them wonder why your still smiling.. That’s true greatness to me

بطلات الأفلام
Elizabethtown

التوقعات المثالية

ربما حقًا ليس السبيل الأصح لأشعر بالنجاح، عبر التمسك بالمثاليات الرثة، ومطالبة الكون بأن يكون بالمثالية المناسبة لي. فلن يُدِر عليَّ هذا إلا مزيدًا من الإحباطات والرثاء للذات. ربما أريد حقًا الشعور بهذه العظمة التي تتحدث عنها claire! ربما الأفضل أن أجرب وأسمح لنفسي بالفشل، فلعل فشلي سبيل لنجاح آخر! لا أعلم حقًا، ولكن ماذا سأخسر على أي حال! فخوفي المستمر من الفشل لن يحميني من الفشل، بل سيحرمني من الحياة فقط، بينما أتقوقع حول نفسي بسيناريوهات مكررة تميتني مللاً.

قال قديمًا جبران خليل جبران: “أفضل طريقة لتجنب خيبات الأمل هي ألا تتوقع شيئًا من أي أحد”، وعلى ما يبدو أنني بينما كنت أحمي نفسي من خيبات الأمل، بينما كنت أحد توقعاتي في محاولة للتذاكي على الوضع أدمنتها بالخطأ، وصرت متعطشة لأي أمل، فربما خطة جبران خليل جبران لا تناسبني على الإطلاق.

الكلام مع الله

أتذكر عندما كنت صغيرة، أشكو لأمي كوني لا أشعر بوجود الله حولي، فهو لا يحدثني كما تطالبني هي بأن لأحدثه بصلواتي ودعائي، لتخبرني أمي أن الله يحدثني بلسان كل من يقابلني، وبأفعال كل من يحاوطونني، وبمواقف يتم إنقاذي منها دون محاولة مني. أكدت لي أني سأشعر حينها بلمسة الإله على قلبي، وسأدرك أنه يحدثني.

ربما كانت أمي حينها على حق، ولكني يا أمي أشعر بصدق أن الله كان يحدثني من خلال بطلات الأفلام بتهيئتي نفسيًا لإدراك لحظات مماثلة مررن بها، بينما كنت أتساءل عنها وتؤرقني في صمت. نعم أشعر بلمستك على قلبي، وكم أنا سعيدة بهذه اللمسة!

اقرأ أيضًا: 10 نساء في السينما المصرية كسرن القالب

المقالة السابقةبيت البنات
المقالة القادمةكورسات أونلاين مجانية تساعدك في تغيير مهنتك.. مهنة جديدة من منزلك

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا