تعد وسائل الإعلام المرئي بكل صورها من الوسائل الفعالة والمهمة لدعم المرأة وجذب الانتباه إلى قضاياها على مستوى العالم، فوسائل الإعلام اليوم أصبحت عالمًا كبيرًا ومتسعًا بعد التطور الهائل في التكنولوجيا وظهور وسائل التواصل الاجتماعي. فليس من العجب اليوم أن ترى أشخاصًا ذوي ثقافة بسيطة يستخدمون الإنترنت والفيسبوك، مما جعل العالم قرية صغيرة يسهل بها تناقل الأفكار والأخبار والتعرف على الثقافات المختلفة، بل يجد الإعلام فرصته للوصول إلى قاعدة عريضة من الشعب على المستويات الثقافية والاجتماعية كافة.
الأمر الذي أعطاه فرصة كبيرة لعرض القضايا بصورة سهلة وبسيطة، خصوصًا قضايا المرأة، وتلعب السينما دورًا خطيرًا في قوتها على إحداث تغيير وتأثير في أفكار الناس، ومن أنواع هذه التغيرات والتأثيرات:
- التغيير المعرفي.
- تغيير الموقف.
- استثارة العاطفة.
- صياغة الواقع.
- الضبط الاجتماعي.
وكثيرًا ما كانت هذه التأثيرات إيجابية لها دور فعال، في تعزيز قضايا المرأة وتمكينها من حقوقها، ولكن مع الأسف في أحيان كثيرة جاءت سلبية لها تأثير غير داعم، بل قد تأتي بنتائج عكسية، فتظهر المرأة بصورة نمطية غير متوازنة لا تعبر عن الحقيقة.
صورة المرأة في السينما المصرية
تُظهِر السينما أحيانًا المرأة بصور نمطية متأثرة بثقافة المجتمع، صورة ظالمة في العديد من المرات، فنجد:
الصورة السلبية
- المرأة الجسد، أي تركز السينما على جسدها ومفاتنها، فتسلط الأضواء ضدها لتظهر النساء العاهرات أو الخائنات التي تسعى لإغواء الرجل أو تكون صيدًا وفريسة في بعض الأحيان.
- المرأة المستهلكة غير العاملة التي لا يهمها الشراء والثراء والتباهي وإنجاب الأولاد.
- المرأة السلبية التابعة للرجل ربة البيت المهمشة، وأحيانًا المتهورة والمتقلبة المزاج أو المغلوبة على أمرها.
- المرأة المستغلَّة إعلانيًا بصورة سيئة للفت الانتباه إلى منتج ما أو سلعة أو لترويج أدوات التجميل وغيرها.
الصورة الإيجابية
نجحت النساء في الفترة الأخيرة في استغلال الإعلام وتوظيفه لخدمة قضاياها، فقد مكّنت التقنيات الجديدة العديد من النساء والمنظمات النسائية من زيادة قدرتهن على الوصول إلى المعارف والمعلومات وتبادلها مع الآخرين، ونشر أفكارهن على نطاقٍ واسعٍ وبسرعةٍ كبيرةٍ، وبالتالي رفع قدرهن ومكانتهن في المجتمع، فاستطاعت العديد من شبكات المجتمع المدني النسائية والمنظمات النسائية من زيادة مهاراتها في عدّة مجالات، مثل: الاتصالات، وإجراء البحوث، والتعرّف على طرق مختلفة، ومواكبة للتطوّرات التكنولوجية المتقدمة للصول إلى دعم حملات مناصرة لكثير من المنظمات والشبكات النسائية وزيادة تأثيرها، كما ساهمت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تعزيز الاستخدام الاجتماعي لوسائل الإعلام التقليدية. ومن قضايا المرأة المهمة قضية ردع العنف الممنهج ضدها.
صور العنف ضد المرأة
هناك العديد من أنواع العنف الذي تتعرض له المرأة مثل: العنف اللفظي، والجسدي، والنفسي، والرمزي، والاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي.
هل السينما لها دور في ردع العنف أو التوعية لمناهضته؟
نجحت السينما في الفترة الأخيرة في إلقاء الضوء على بعض القضايا، ومنها العنف الموجه للمرأة، فهناك حملات كثيرة ضد العنف الجسدي الممثل في جريمة الختان، حيث يعتبر الختان جريمة تنتهك جسد المرأة، وقد قامت العديد من الحملات للتوعية لردع هذا الأمر، كما قامت عدة حملات ضد التحرش، ومن الجدير بالذكر ما قامت به السنيما المصرية في بعض الأفلام التي ناقشت العنف ضد المرأة وكان لها رد فعل كبير في تعديل قوانين التحرش في مصر.
أفلام ناقشت العنف ضد المرأة
فيلم 678
وهو من أهم الافلام التي ناقشت قضايا التحرش، ونال العديد من الجوائز المحلية والدولية. اتخذ الفيلم من رقم أحد الأتوبيسات 678، اسمًا له، لكونه مسرحًا تتعرّض فيه إحدى البطلات للتحرّش الدائم بالاحتكاك المتعمد. ويُعالج الفيلم قضية التحرش الجنسي، وطرحه قصص ثلاث نساء مِن طبقات اجتماعية مختلفة، هن: “فايزة” و”نيللي” و”صبا”، اللاتي يُواجِهن المشكلة نفسها. يتبع الفيلم النسوة الثلاثة المحبطات ويسجل فتور السلطات إزاء مطالبهن.
“نيللي” (ناهد السباعي) فتاة متوسطة الحال، تضرب مَن حاول لمسها في الشارع، في أثناء نزولها من سيارة خطيبها متجهة إلى باب المبنى الذي تسكنه، لتقوم بعدها برحلة مواجهة مع المجتمع، لإصرارها على رفع دعوى قضائية تحت عنوان “التحرش”.
“صبا” (نيللي كريم)، الفتاة الثرية، تخسر زوجها نتيجة حادثة تحرّش جماعي في ميدان عام، بعد مباراة لكرة القدم، وتطلب الطلاق منه لتخلّيه عنها عقب تعرّضها للتحرّش، وهو ما أدّى إلى خسارتها جنينها جرّاء تداعيات الحادث، لكن “صبا” تحوّل غضبها إلى حراك اجتماعي، فأسست جمعية تُطالِب بالتصدّي للتحرّش، لتحوّل الأضواء إلى هذه القضية، على الرغم من رفض المجتمع الاعتراف بها.
“فايزة” (بشرى)، هي زوجة شابة محافظة، فقيرة مضطرة لاستخدام الحافلة، تضطر إلى طعن أحد المتحرّشين بها في منطقة حسّاسة، في محاولة منها للدفاع عن نفسها، في ظل الصمت المفروض عليها لدواعٍ اجتماعية، بعد أن شجعتها الناشطة “صبا”.
يسعي رجل المباحث “عصام” (ماجد الكدواني) لكشف غموض إصابة عدة رجال في حافلات النقل، ويطالب بوجود مخبر في كل أتوبيس لمعرفة أسباب هذه الطعنات.
وعلى غرار هذا الفيلم تم تعديل العديد من قوانين العنف ضد المرأة، كما تم تغليظ العقوبات على المتحرشين والمتحرشات.
الباب المفتوح
الذي يناقش نظرة المجتمع للبنت، وحقها أن تعيش كإنسانة لها حرية التعبير عن نفسها والمشاركة مثل الرجل في كل المجالات، ويسلط الضوء على ثقافة المجتمع التي تنظر للبنت نظرة دونية.
دعاء الكروان
ويعد “دعاء الكروان” من أهم الأفلام المصرية التي تناولت استغلال الفتيات العاملات بالمنازل جنسيًا وعاطفيًا، فهو يتعرض للأفكار التي تمس المرأة وشرفها، وناقش كيف يختزل بعض رجال المجتمع حبه للمرأة من خلال الجنس، وانتهى الفيلم بقتل المتحرش أحمد مظهر، الذي كان سببًا في وفاة شقيقة فاتن حمامة داخل أحداث الفيلم. ورغم أن الفيلم من زمن قديم إلا أن هذه القضية ما زالت موجودة حتى الآن، فهناك موروثات ثقافية من الصعب جدًا أن تتغير، بل بالعكس تتوارث من وقت لآخر.
أريد حلاً
ويناقش نوعًا من أنواع العنف غير المباشر، وهو حق المرأة في أن ترفض العيش مع شخص لا ترغب فيه، وكان بسببه صدور قانون جيهان.
المراهقات
ويناقش الفيلم العنف الواقع على المراهقات. ويعبر عن كم العنف الواقع على المرأة بصوره المتعددة، وثقافة المجتمع التي لا تجرم مثل هذا النوع من العنف، فنرى البطلة في سن المراهقة يمارس عليها العنف الجسدي والنفسي واللفظي، فتُضرب وتهان وتزوج لشخص لا ترغب فيه.
وسيظل للسينما دور كبير في عرض قضايا المرأة وتعزيز دورها، ودفع العنف الموجه نحوها.
توصيات يجب على صناع السينما مراعتها لدعم المرأة في قضاياها
- تشجيع المرأة على التعبير الحر عن نفسها.
- عدم حصر دور المرأة في الأدوار التقليدية التي تركز فقط على كونها زوجة وربة منزل.
- البعد عن استغلال صورة المرأة كجسد جميل في الإعلانات، والترويج للمنتجات أو لجذب انتباه الرجل المستهلك، ما لم توجد علاقة منطقية لذلك.
- مراجعة المواد الفنية من زاوية النوع الاجتماعي، لتظهر المرأة بصورة لائقة ومنطقية دون اللجوء إلى التهويل أو التقليل أو التهوين ووضعها في مكانة تليق بها.
- مراعاة حضور المرأة المتوازن في كل المناسبات.
- تأهيل الإعلاميين وعمل ورش ودورات لبناء قدراتهم من أجل تمكينهم من التناول المنصف والمتزن لقضايا المرأة.
- التعامل الحذر مع الأعراف والتقاليد وتشجيع المرأة على المساهمة في الأدوار التنموية وممارسة حقوقها القانونية والاجتماعية والسياسية.
- عدم الكيل بمكيالين، فتعامل المرأة مثل الرجل، ولا يلقى اللوم دائمًا عليها كما في قضايا العفة والشرف والتحرش، فالرجل مطالب بالعفة مثل المرأة.
وستظل السينما نافذة مهمة ومؤثرة تستطيع المرأة من خلالها الوصول إلى أهدافها، والتعبير عن نفسها وقضاياها والحصول على العديد من حقوقها المسلوبة، إذا مورس الإعلام وطبق بطريقة صحيحة وحيادية وحضارية.
مصادر: