قصة فيلم ولا عزاء للسيدات قصة كل مطلقة مصرية

3365

دائمًا ما تكون زياراتي لمنزل والدتي بعد زواجي محاطةبإحساس بالراحة والأمان والحنين.. أتوجه فورًا إلى غرفتي،أحتضن سريري وأغلق الباب، أشعر أنني عدت مرة أخرى تلك الطفلة المدللة بنت أمها،أنتظر نقرها على باب غرفتي لتخبرني أنها أعدت لي الطعام الذي أحبه.. وكنت أعتقد أن هذا لسان حال كل الفتيات، حتى شاهدت “راوية”.

كان الوضع مختلفًا بالنسبة إلى”راوية/ فاتن حمامة” في فيلم “ولا عزاء للسيدات”. شعرت “راوية” بوحشة في منزل والدها، ببرودة جدرانه العتيقة، والتراب المتراكم في حديقته غير المشذبة عندما عادت. عادت بابنتها ذات الأعوام التسعة، تاركة منزلها بعد أن طلقها زوجها من أجل امرأة أخرى، لتفرض عليها والدتها وصايتها وتجبرها على العودة للسكن معها، فتقاليد المجتمع لا تسمح لامرأة مطلقة أن تحيا وحدها مع ابنتها.

خرجت “راوية” من هذا المنزل طفلة في الثامنة عشرة من عمرها، لتجد نفسها زوجة لرجل لا تعرفه وأمًا تتفانى عشرة أعوام من أجل إسعاد رجل لم يشعر بها، رجل اعتبر ما تقوم به من أجله إنما هو واجب عليها وأمر واقع لا ريب فيه. تعود شابة في الثامنة والعشرين من عمرها بروح مختلطة بين فتاة مراهقة في الثامنة عشر لم تتجاوزها، وامرأة عجوز في الخمسين من عمرها نشأت على يدها فأصبحت تشبهها تمامًا.

تعود والدة “راوية” لطقوس البحث عن زوج جديد للابنة المكلومة، غير عابئة برغبتها في الزواج من عدمه، غير مكترثة بجروحتركها زواجها الأول لمتلتئم بعد، ولكن لا يسعفها الوقت لتموت في حادث سيارة هي ووالد “راوية” تاركين”راوية” وحيدة مع ابنتها. تحاول خالة “راوية” وزوجها نقل الوصاية إليهما، ولكنها ترفض وتقرر العودة إلى منزلها الذي تزوجت فيه هي وابنتها، لتفتح صفحة جديدة لحياتها.

يقوم بواب منزل والديها “عم إدريس/ عبد الوارث عسر” بزياتها في أحد الأيام ليشتكي لها سلوك إحدى ساكنات المنزل التي طلقت حديثًا، متحدثًا عن لبساها وعودتها متأخرة من العمل، وتلك السيارات التي توصلها إلى المنزل، تذهب لزيارتها لتتحدث معها، ولكنها تقف عاجزة أمام جملتها “في بلدنا مفيش واحدة تقدر تبتدي من جديد، بالكتير قوي تقدر تكمل”.

لا أعلم كيف تناست “راوية” تلك الكلمات عند مقابلتها “طارق مظهر/ جميل راتب” رئيسها في العمل واعتقدت أن بإمكانها أن تبدأ معه من جديد. شعرت معه بوخزة الحب للمرة الأولى، لتبدأ معه مغامرة فتاة صغيرة لم ترَ عوالم مختلفة بعد، ولكن لا يغيب عن ذهنها صورة جارتها التي ضلت طريقها، فهي لا تريد لنفسها هذا المصير، فتضع بينها وبين “طارق” حواجز هي فقط تشعر بضرورتها وتراها، فالمجتمع لا يرى منها إلا امرأة مطلقة كتب عليها الوحدة.

تحدث خلافات بين “حمدي/ عزت العلايلي” وزوجته الجديدة نتيجة لاختلافها عن “راوية” زوجته الأولى.. فهي لم تتفانَ في خدمته لاغية وجودها في حضرته مثلما كانت “راوية” تفعل، فانفصل عنها مُقررًا العودة لـ”راوية”.

“بتضحكي على إيه يا بنت؟!إيه قلة الأدب دي؟!” كانت تلك الجملة هو رد خالة “راوية” على ضحكاتها الساخرة ردًا على رغبة طليقها في العودة إليها مرة أخرى.

“حمدي مين؟” كانت تلك أولى كلمات “راوية” عند ذكر خالتها لاسمه.

ثلاثةأعوام كاملة مرت لم يحاول “حمدي” حتى التواصل مع ابنته، ثلاثة أعوام كاملة لم يتذكرها إلا عندما خلا مطبخه من الوجبات الساخنة وخلا دولابه من الملابس النظيفة المكوية بعناية. يبادر بالعودة معتقدًا أنها مازالت تنتظر عودته، يدعو نفسه على عشاء في منزلها، ويجعل ابنتها تخبرها ببساطة أنه عاد ليعيش معهما من جديد.

“أنا مبحبوش ولا عمري حبيته، أنا بقرف منه” الجملة التي عبّرت “راوية” بها عن شعورها تجاه طليقها الذي فقد عقله جرّاء رفضها له.أطلق عليها النار محاولاً قتلها بعد أن اختلط عليه الأمر بينها وبين جارتها سيئة السمعة. ردد كلامًا جارحًا عنها سرعان ما انتشر بين أصدقائها في العمل وأقاربها. ظلت تنتقل الشائعة من شخص إلى شخص، وكلما انتقلت زاد حجمها. صدّق الجميع “حمدي”، فهو الرجل، وماهي إلا امرأة مطلقة تحيا وحيدة مع ابنتها. انفض الجميع عنها، خالتها وابنة خالتها وصديقاتها المقربات، حتى “طارق”. ظل الوضع على تلك الحال كثيرًا، حتى اتضحت كذبة زوجها. ذهب “عم إدريس” حارس العقار لاصطحابها من المشفى مبديًا رضاه عنها، وعندما رضي عنها “عم إدريس” رفع عنها المجتمع القلم، لكن ظل شبح الإشاعة القديمة يطاردها حتى بعد أن ظهرت براءتها.

سبعة وثلاثون عامًا مرت على إنتاج هذا الفيلم، ولكن عند مشاهدته سوف تشعر أنه أنتج هذا العام. السبب لايكمن في إبداع كاتيا ثابت مؤلفة العمل، بالرغم من جودته، ولكن السبب الحقيقي يكمن في مجتمع لم يتغير مطلقًا ولم تتغير نظرته للمرأة المطلقة، مجتمع صلب أجوف يصر على وضع النساء في قوالب جامدة لا تتغير مهما مر عليها الزمن.

المقالة السابقةحتى الهجر قدرت عليه
المقالة القادمةكيف يمكن استكمال العلاقة بين الأطفال ووالديهم بعد الطلاق؟

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا