عزة ابو الانوار
هو اللي جانا لوحده.. ومحدش فينا راحله
ده هو اللي خطبها.. هو اللي نقّاها
وروّح قال لأمه.. أنا دايب في هواها
هو اللي نقاها.. وهو اللي خطبها
وروح قال لأمه ده أنا غاوي يامّا نسبها
تنتصر المرأة لنفسها دايمًا ولبنات جنسها، فهي رغم القواعد الذكورية المترسّخة في عقول المجتمع قدرت ترتجل لنفسها كلمات لتعزيز العروسة وجبر خاطرها، بعد أسى كتير عاشته كبنت ريفية أو شعبية أخيرًا اتقدملها عريس.
الحقيقة لأن التراث يُنقل بالتواتر، ولأنه كالتاريخ يكتبه المنتصر، فالتراث يوصله المتحكّم. والمتحكم في المجتمعات الريفية والشعبية هو العادات الذكورية، فما وصلنا من التراث أغلبه ذكوري عنصري مميِّز.
بلاش نظلم أجدادنا؛ لأنهم غالبًا مكانوش قاهرين للمرأة بالشكل اللي وصلنا، حتى في عصور ما قبل الإنترنت كان الستات “فيمينست” بالفطرة، وارتجلوا أغاني كتير ترد حقوقهم، لكن ناقلي التراث لم يراعوا الأمانة العلمية ونقلوا فقط ما يتماشى مع معتقداتهم.
فيه كتير من التراث المهجور دافعت فيه الستات عن نفسها، لكن الأشهر غير كده. فالأم من أول حملها مبدئيًا فيه مظاهر تعارف عليها المجتمع النسوي بيعرفوا من خلالها نوع الجنين، فلو كان بطنها ممدودة لقدام مش مدوّرة، وبترتاح ف النوم ع الجنب الشمال وشعر رجلها بيطول بمعدل أسرع ومولودها السابق نطق بابا قبل ماما وكان بيحط صباع رجله الكبير ف بقه.. يبقى المولود ولد.
كده خلاص أمان، تقدر تطلق الزغاريد ويتم الاستعداد لاستقبال ذكر جديد، وتدندن في أوقات شغلها الأغنية الأشهر:
لما قالوا ده ولد اتشد ضهري واتسند
لما قالوا ده غلام اتشد وسطي وأهو قام
وجابولي البيض مقشّر وعليه السمن عام
وبعدين تغيظ أي واحدة خلفت البنت وتقولها:
وأما قالوا دي بنية اتهدت الحيطة عليّ ومالت الأرض تحتيّ
وجابولي البيض مكسّر وبدال السمن مية
تحاول أم البنت تصبير نفسها والرد على خصومها:
لما قالوا دي بنية.. قلت يا ليلة هنية.. تكنسلي وتمسحلي وتملالي قلة المية
أكيد متقصدش إنها خلّفت شغّالة، إنما تقصد إنها أخيرًا جالها اللي قلبه هيرق ويشيل عنها شغلها. البنت أحنّ على أهلها، والأم عارفة كده، لكن الموروث المرسّخ جواها بيمنعها تفرح بخلفة البنات.
لكنها تعلم تمام العلم إن ف مجتمعها الولد له نصيب الأسد، وهو اللي بتُقابَل ولادته بحفاوة، إنما بتقول أي كلام من باب تصبير النفس على البلاء، خصوصًا لما بتسمع حماتها تقارن بينها وبين سلفتها اللي جابت الولد وتقول:
البطن الجايب ولداني اطعموه لحم الضاني
والبطن الجايب بنية اضربوه بالعصية
واطعموه اللحم بايت ولا تقولوش.. ده خطية
تحاول أم البنية تلملم أي شيء من نفسها المتكسّرة مع بواقي حول وقوة، وتغني لسلفتها أم الولد كنوع من الانتقام لذنب لم يُقترَف:
متفرحيش يا أم الولد.. بكرة بنتي تكبر.. وتسكنه برة البلد
بكرة يجيب المشمش ف كُمُّه.. ويحوّد بيه عن أوضة أمه
ويقول خبي النوى يا مدللتي.. أحسن تشوفه والدتي تنكد عليّ أنا وإنتي
تكبر البنية ويكبر الولد.. ويستمر المجتمع في فرض سطوته على البنية رغم معرفته بقيمة إنها الوحيدة القادرة على إرواء الحياة:
عطشان يا “صبايا” دلوني على السبيل
واشمعنى عيونِك حلوة وعيوني مغمضين
ورغم كده تظل حتى النساء نفسها تقوّي العادات الذكورية وتحث الولد على فعل ما يحلو له، فيغنوله:
ياللي ع الترعة حوّد ع المالح
وشوف الحلوة اللي عودها سارح
وممكن كمان يحتفلوا بإنجاز غريب ويغنّوله:
أيوه يا واد يا ولعة خدها ونزل الترعة (ومحدش عارف نزل ليه وهيطلع امتى!).
وقد يكون في بعض الأغاني محاولة إغواء للرجل كنداء لإنشاء علاقة ما، قد توصل البنت لهدفها وتجر رجل العريس، زي مثلًا:
الواد أبو بلوفر مفتوح.. البوسة منه ترد الروح
والواد أبو طبنجة.. البوسة مانجة
لما أخيرًا بيتم المراد ويتقدم الولد للبنية أهله بيدوها نصايح إزاي تريّح عريسها في صورة أغنية، زي “أهو جالك يا بت”، وكأن كتر خيره يعني إنه جه! كان ممكن ميسألش فيكي! فريّحيه بقى:
اطبخيله الصبح بطة.. واطبخيله العصر بطة.. كتري يا بت الشطة
وأهو جالك يا بت.. ريح بالك يا بت
خدي بالك منه وهنّيه.. واللي يعوزه قوام أدّيه.. وأما يموت هتورثيه
وأهو جالك يا بت.. ريح بالك يا بت
وبيغنولها كمان كنوع من كيد النسا ومحاولة لتبليغها هي وأهلها إن نسبهم ميتعوضش. رغم إن ف الأغلب بيكونوا من عيلة واحدة، يعني مقام واحد وأصل واحد، لكن برضو وجب التفاخر بالأصول، فيقولوا:
اوعيله يا بت اوعيله ده الظابط يبقى عديله
أهل العروسة طبعًا مش هيسكتوا، ولازم يعرفوهم إن انتو مش أحسن مننا، فيقولوا:
اوعالها يا واد اوعالها ده المأمور يبقى خالها
(السلطة القاهرة في كل زمان ومكان).
لم تنتهِ المعركة بعد، أهل العريس لازم يعرّفوا أهل العروسة مقامهم ويقولولهم ده عريس مكنتوش تحلموا بيه:
ياللي إخواتَك ستة
واحد مأمور والتاني دكتور والتاني كبير الحتة
أهل العروسة:
ياللي إخواتِك أربعة
واحد أفندي والتاني جندي والتاني عنده مطبعة
كمان لما بتبتدي تجهيزات الفرح وأهل العروسة يروحوا يودّوا الشوار (جهاز العروسة) ويفرشولها أوضتها، لازم يعرّفوا نسايبها وجيرانها إن بنتنا اللي جيالكم دي مش أي حاجة، لدرجة إنهم ممكن يكلموا حيطان البيت ويحكولها عن العروسة اللي جاية تسكن فيها:
افرحي يادي الأوضة.. جياكي عروسة موضة
افرحي يادي المندرة.. جياكي عروسة سكرة
افرحي يادي القاعة.. جياكي عروسة الساعة
محتمل في النهاية يتراجع أهل العريس لتطمين العروسة ولم الدور والظهور بمظهر اللي شاريين، وبينتصرولها ف الآخر فيقولوا عنها:
خدناها م الصيف الماضي.. وأبوها مكانش راضي
علشانها بعنا الأراضي.. الحلوة اللي كسبناها
خدناها بالملايين.. وهمّ مكانوش راضيين
علشانها بعنا الفداداين الحلوة اللي كسبناها
وأخيرًا لما يجوزوا البنت ويطمّنوا عليها وعلى شرفها، وبعد إتمام الدُخْلة البلدي والخروج على الملأ بالشال الأبيض وعليه بقعة الدم اللي لازم تكون أشبه بالنزيف كإثبات للشرف، ياخد أبوها نفس عميق ويرفع راسه وتنطلق أغنية:
قولوا لأبوها إن كان جعان يتعشى.. يركب حمارته ف البلد يتمشى