من أنتِ من شخصيات “ِشيخ جاكسون” النسائية؟

380

“شيخ جاكسون” هو أحدث فيلم للمخرج عمرو سلامة، والذي أُعلن عن ترشحه من مصر للقائمة التي ستتنافس على الوصول لأوسكار أفضل خمسة أفلام ناطقة بلغة أجنبية في 2018، وإن كان عدم وصول الفيلم للمنافسة شبه بديهي، إلا أن ذلك سيُفيد الفيلم وصناعه في الانتشار، والعرض بالكثير من المهرجانات العالمية، أولها بالفعل كان مهرجان تورنتو السينمائي.

 

العمل من بطولة أحمد الفيشاوي وأحمد مالك، في ظل وجود أنثوي هامشي كعادة معظم الأفلام العربية، وبالرغم من أن الفيلم في الأساس يُناقش فكرة جيدة عن التناقضات التي بداخل كل منا، وتؤثر على تحديدنا لهويتنا الشخصية، وكَون الأداء التمثيلي والإخراج جيدين إلى حدٍ كبير، حتى أنني خرجت من السينما بعده راضيةَ، وإن كنت غير مُنبهرة، إلا أن -كالعادة أيضًا- تناول الفكرة أتى بشكل سطحي للغاية ومُباشر.

 

حسنًا.. تقييم الفيلم فنيًا ليس موضوعنا اليوم، نحن هنا لنتحدث عن الشخصيات النسائية بالعمل، والتي على هامشيتها الفَجَّة إلا أنها جاءت مُختلفة عن الشخصيات الذكورية التي يتلمَّس أصحابها الطريق مُتخبطين بالحياة، فنساء الفيلم على اختلافهن عن بعضهن بعض وقلة حضورهن الدرامي، إلا أنهن عرفن كيف يكُنَّ مؤثرات إيجابيًا بحياة البطل.

 

“نجــــاة” أو دُرَّة

أم بشوشة هادئة، رغم كونها زوجة لرجل ضخم الجثة ينفعل على أهون سبب، رجل يبدو فظًا ومُخيفًا حتى حين يبتسم، لتصبح هي نقطة السكينة والأمان لطفلها الذي تُناديه بــ”دودة”، ذلك الاسم الذي يسخر منه والده بسببه باستمرار، وفي حين يُحاول الأب قَمع ابنه والسيطرة على وجهات نظره بالحياه نجدها هي دومًا مُتفهمةً مشاعر ابنها وحبه للمعرفة واستكشاف الحياة، بل وتحرص على إخباره أنها هي أيضًا لديها نفس الاهتمامات، لكنها تفعل ذلك بعيدًا عن ظل زوجها الذي يُسدِل على المنزل غيمة أساسها استنكار كل ما لا يوافق أفكاره وتصوراته الشخصية، فتفتح للابن طريقًا مُستترًا للأحلام.

 

وهو ما يجعلها رغم وفاتها صغيرةً إثر المرض أثناء طفولة ابنها، تظل نقطة ارتكاز يدور البطل دورته ثم لا يلبث أن يعود إليها كلما أراد الاتكاء على مرفأ آمن اعتاد أن يتقبله كما هو، دون أن يُطالبه بالتغيير أو الادِّعاء، حاضرةً معه دومًا كطوق نجاة يلفه حول عنقه، مُتمثلاً في سلسلة تحمل اسمها، يستمد منها البطل -بمختلف مراحله العمرية- قُدرته على المقاومة والبقاء.

 

“شيـرين” سلمى أبو ضيف/ ياسمين رئيس

دون أدنى تردد، شخصية “شيرين” هي الأفضل بين الشخصيات النسائية على مستوى الدراما، البناء، التفاصيل، فهي زميلة المدرسة التي يُعجب بها البطل منذ اليوم الأول، كيف لا وهي تُمثل كل ما يتمنى أن يكونه؟ فنراها قادرةً على التعبير عن نفسها بمنتهى الشجاعة، والأهم تَحَمُّل عواقب ذلك دون أن تسمح لأحد أن يكسرها.

 

تبدأ بالجهر بحبها لمايكل جاكسون، والتصالح مع عدم استقرارها على آلة موسيقية واحدة، فبمُجرد أن يُصيبها الضجر تتركها دون اهتمام للوقت الذي أضاعته كي تُجيدها، كل ما يهمها هو أن تظل على شغفها بما تفعل، مرورًا بترك شعرها غجريًا وارتيادها النوادي الليلية ومسابقات الرقص في وقت كان الذكور أنفسهم ليس من السهل عليهم إعلان كونهم يفعلون ذلك على الملأ، وصولاً لتعاملها بسلاسة مع المشاعر العاطفية التي تنتابها تجاه البطل، حتى أنها لا تجد غضاضةً في تهييء الظروف لقُبلة يهرب منها الطرف الآخر لسبب درامي ما.

 

وحين تكبر “شيرين” تتطور وتنضج، تصبح نفسها فعلاً، فلا تُشبه إلا روحها، ما يمنحها سلامًا داخليًا يُمكِّنها من مواصلة العَيش بطريقة ليس من السهل أن يتقبلها مُجتمعنا المُنغلق على ذاته. ورغم اختلافها الشاسع عن البطل وقت اللقاء الثاني، لكنها تنجح في أن تكون الوحيدة التي تكشف له جزءًا رئيسيًا من الحقيقة، لتُغلق له واحدة من الدوائر الكبرى والمهمة بحياته، والتي ظلت مفتوحة على اتساعها تقترب من ابتلاعه.

 

“عائشة” أو أمينة خليل

“عائشة” هي زوجة البطل، امرأة مُنتقبة تسعى لإسعاد زوجها بأي طريقة، تتحمل أثقاله و”كراكيبه” على أمل أن يستمع لها يومًا فيُعيدان معًا ترتيب الحياة. وإن كانت هي ذاتها تبدو مُذبذبة وغير مُستقرة، فبين أغانٍ إسلامية تُرددها بصحبة والد طفلتها، ورغبة تُراودها في خلع الحجاب، رُبما هكذا يحبها زوجها أكثر، نُشاهدها تتأرجح.

 

رُبما يكون الفيلم لم يُعرِّفنا عليها بشكل أوضح، لكنها دون شك عرفت -على غير المتوقَّع منها- كيف تتسم بالمرونة والقُدرة على مَنح الفُرص للآخرين، من أجل استيعاب أفكارهم التي قد لا تتفق معها، والأهم أنها عرفت أيضًا كيف تمنح شريك حياتها ما يكفي من البراح الذي يُمكِّنه من التصالح مع نفسه، وإعادة اكتشافها، مُتقبلة أي تناقضات قد تُطرح بالأفق، على أمل أن يكون السلام الداخلي هو النتيجة التي تصُب في الصالح العام للأسرة بأجمعها.

 

“نور” أو بسمة

طبيبة نفسية هادئة جدًا، تعرف كيف تضع حدًا لتصرفات المرضى المُتطرفة، لا تقبل بأي شُبهة تجاوز، لكنها في الوقت نفسه بابتسامة ودودة وخبرة عملية تترك باب الحكي بينها وبينهم مفتوحًا كي لا يصدونها خارجه. أسلوبها يعتمد على طرح أسئلة تعلم أن إجاباتها صعبة وبعيدة، لكنها تُجبر من أمامها على مواجهة أنفسهم والنظر داخلهم مليًا، خصوصًا حين تؤكد لهم أن لديهم كل الوقت الذي يحتاجونه للعثور على إجابات، لا يهم إن كانت غريبة أو غير منطقية، المهم أن تكون صادقة ولا تحمل سوى الحقيقية والشفاء الذي يمنحونه بأنفسهم لأنفسهم، هي فقط -كما يليق باسمها- تحمل لهم الشعلة الأولى، بينما هم يقطعون الرحلة بأكملها وحدهم.

 

ابنة البطل

هي فتاة صغيرة، بمجرد النظر لا يتجاوز عمرها عشر سنوات، ترتدي الحجاب الذي يعكس فكر أبويها لا فكرها بالضرورة، ورغم كل ما تربت عليه لكنها لا تعيش إلا وفقًا لقناعاتها، فنجدها تُشاهد الكليبات الراقصة ليلاً على الإنترنت، وتتعامل باستهانة مع أفكار أبويها المُصمتة، لتبدو تكرارًا لحكاية البطل الأولى الذي كان عكس والده، رُبما الفرق بينها وبينه أنها تملك من الجرأة ما يجعلها قادرة على النظر في عيني والدها باستهانة لتعَرِّي له كل ما يُحاول هو إخفاءه بالداخل.

..

بالطبع إذا كنتم قد شاهدتم الفيلم فرُبما تكون قراءتكم لشخصياته النسائية مختلفة، حينها أتمنى أن يفتح هذا المقال بابًا مفتوحًا للنقاش.. سأنتظره.

 

المقالة السابقة7 نصائح لتخصيب تربة الأوقات المالحة
المقالة القادمةلم يعد الغياب موجعًا
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا