ملكات الرقص

863

طالما تمنيت علاقة صداقة كتلك التي لدى “دونا” ميرل ستريب، وصديقتيها “روزي” جولي والترز، و”تانيا” كريستين بارانسكي، فبالرغم من البعد والمسافات لكنهن موجودات في السراء والضراء، معًا كحائط صد لا يستطيع أحد اختراقه، يعلمن عن بعضهن كل شاردة وواردة، تعلم كل منهن خفايا الأخريين.

من اللحظة الأولى للقائهن تشعر بالحياة تنبض في عروقك من جديد، فهن فيهن حماس فتيات مراهقات برغم أن أثر الزمن الذي يظهر على أجسادهن ووجههن.

 

تشعركم مخرجة فيلم “ماماميا” فيلدا لويد، بأن الرقص سهل، باختيارها لأبطال العمل، فمعظمهم مسنون نساء ورجال، ولكنهم يرقصون جميعًا برشاقة وتلقائية في حركات بسيطة يسهل علينا تقليدها آمام المرآة. ها هي “دونا” ميرل ستريب ترقص في رشاقة معبرة عن إحساسها تجاه الرجل الذي ظلت تحبه طوال حياتها ولم تره منذ أعوام وأعوام، نشعر من حركاتها قبل أن نسمع في كلمات الأغنية عن استعادتها لكل مشاعرها القديمة عند رؤيتها له مرة أخرى، نرى فرط ما تعانيه من مشاعر متضاربة، بل نستعيد معها بعض ذكرياتنا القديمة. 

كانت جميع أغاني فيلم “ماماميا” جميلة، ولكن المفضلة بالنسبة لي هي أغنية “ملكة الرقص”. 

 

تتساءل صديقتا “دونا” كيف وصلت بها الحال إلى تلك المرأة المسنة، فلقد أصبحت تشبه والدتها كثيرًا، لتصدمهما بشعورها أن العمر تقدم بها وأنها لم تعد تلك المراهقة، فتطلب منها إحدى صديقتاها ببساطة أن تعود بالعمر للوراء مرة أخرى.. عندها تبدأ صديقتا “دونا” بالغناء. 

عندما تبدآن بالغناء أشعر برغبة عارمة بالرقص. في الأغنية تخبرها صديقتها أن باستطاعتها الرقص والمرح مثل سابق، فقط كل ما عليها أن تحفر بحثًا عن ملكة الرقص بداخلها.

 

“ملكة الرقص”.. كم أعجبني هذا الوصف! هذا العرش لا يحتاج إلى أصول ملكية لنتقلده، فقط حب الرقص والرغبة في الحياة كافيان. عندها تبدأ “دونا” في القفز على سريرها مثل طفلة صغيرة وأقفز أنا معها أيضًا.

 

كلنا ملكات الرقص.. كل ما نحتاجه هو الموسيقى المناسبة، لاستحضار رقصة ما، لا يهم المكان، لا يهم ماذا نرتدي، كلنا نعود إلى سن السابعة عشر مرة أخرى.

 

ألم يحدث لكِ من قبل عزيزتي أن وجدتِ أغنية راقصة تعزف موسيقاها في إحدى القنوات في الفواصل أو في أحد الإعلانات فنهضتِ على فورك ترقصين دون تفكير؟ هل تذكري كيف غيرت تلك الرقصة مسار يومك لتشعري أنه الأفضل على الإطلاق؟ كذلك “دونا” خرجت من منزلها ترقص في عفوية وبساطة، لتنقل العدوى لكل امرأة تمر أمامها، لتتبعها مقلدة لها في حركاتها الراقصة ليصنعن تناغمًا مذهلاً. لا يهم عمرهن أو ماذا يرتدين أو خلفيتهن الدينية أو الثقافية أو الاجتماعية، فعندما يحضر الرقص يصبحن جميعًا سواء. أنا أيضًا نهضت لأرقص مع “دونا”، لم أملك إلا أن أقلد حركاتها الراقصة في مرح لأجد الابتسامة تنبع من قلبي وترتسم على وجهي. 

 

أنت تستطيعين الرقص.. يشيرون جميعًا نحوك قائلين هذه الكلمات لتتساءلي.. لماذا لا أقضي وقتًا أكبر في الرقص؟! فالرقص حياة.. الرقص لا يحتاج منا خططًا كبيرة، الرقص يحتاج فقط أن نقف على أقدامنا شامخين.

 

أنا أحتفظ بنسخة من فيلم “ماماميا” على حاسوبي، وعليكِ أنتِ أيضًا أن تفعلي ذلك، وكلما شعرتِ بالحزن أو الملل شاهدي هذا الفيلم المفعم بالحياة والرقص، وإن لم تملكي الوقت الكافي مرري أحداث الفيلم سريعًا وشاهدي أغانيه فقط، وإن كان وقتك محدودًا جدًا فاكتفي بأغنية “ملكة الرقص”، وغني وارقصي معها.. فأنتِ تستحقين ذلك.

 

المقالة السابقةالرقص رحلة للكمال
المقالة القادمة“ماركوس” الذي صالحني على الموت

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا