لكِ كل الرحمات والحب

491

مؤسف هذا العالم.

لا يكف عن الجَلد.. لا يكف عن التبلد.

ولا يكف عن إطلاق الأحكام.

 

كل شيء سينتهي.. هناك درب معتم سنسيره جميعًا، بكل فضائلنا.. بكل عيوبنا، بأسرارنا الأكثر خزيًا وبأوجاعنا التي تأمل في الراحة.. بألمنا الذي قرر الرب أن ينهيه فانتهى.. أو الذي قررنا أن ننهيه نحن وانتهينا معه.

 

من أنتِ يا زينب؟!

فجأة صادفتك على كل الصفحات البيضاء ذات الإطار الأزرق، أصدقاء لي وأصدقاء لهم يتقاذفون سيرتك.

حكايتك وقرارك في لملمة أغراضك المكتئبة وأنفاسك الحزينة ثم الرحيل، حياتك المفرغة قسرًا من البشر.. قلبك الصغير الذي قرر أن ينسكب على الأرض بهدوء.

 

صورتك متداولة في أنحاء العالم الافتراضي.. انتبهت لها ولم أدقق كثيرًا، فقط قرأت كل شيء.. كل التعليقات.. كل الأحكام.. كل الدموع.. كل الترحّمات المتناثرة من أفواه تؤمن حقًا في الرحمة، أو قد لا تؤمن.

قابلت كل شيء بالصمت.. حتى الدعاء لم يخرج من فمي، بل صرت أتجنب أخبارِك التي لا تزال تتراكم هنا وهناك.. وكان رجائي الوحيد أن يتركوكِ بسلام وأن يكفوا عن أكل سيرتك المنتهية.

فيومًا ما ستنُسى زينب وأوجاع زينب وموت زينب.

 

*****

 

– دينا.. ممكن تنزّلي مقالات النهارده؟

– مفيش مشكلة.

 

يواجهنى العنوان “الدرويش يحب الله بطريقته يا زينب”.

مقال لزينب وعن زينب، لماذا تصري على لقائي يا زينب؟!

الوجع يغلف الكلمات والأحرف البليغة.. نعي لتلك التي قررت النسيان بالموت، عن التي قررت الذهاب تاركة خلفها من يعضون أنامل الندم، لأنهم لم يحوموا حولها بالاهتمام والسؤال.

 

*****

ربما كانت تفتقد الأنس وطمعت في أنس الله، أرادت أن تقول له أنت ملاذي لم يعد لي ما أنتظره هنا، لم يعد من يهتم لأمري هنا، القرب منك يهوّن وجعي“.

زينب.. لعلك وجدت الأنس الآن.

ولعل ضمة القبر كان أحن عليك مِمَن ضنوا عليكِ بأحضانهم الباردة.

 

*****

صامتة فاترة أبحث عن صور للمقال.. أبحث في صور زينب، الوجه الذي هربت منه طيلة الأيام الماضية يحاصرني الآن..

وجهها يملأ الشاشة المضيئة.. هادئًا كان وابتسامة مسالمة تعلوه، تضحك من قلبها لمن قرر أن يلتقط للوجه الطفولي صورة.. تتخللني روحها من عينيها البشوشتين، فالروح تسكن العينين دائمًا.. شعور بالحب يشملني.. وبكيت!

النحيب كان قويًا وكأنني أبكي جدتي التي أفتقدها دومًا.. كنحيبي يوم عزاء جدي.. أو كنحيب قلبي المفطور شطرين عندما علمت بموت زوج خالتي الصغير في السن.

 

الفقد شعور مميت، وشعوري الآن أنني فقدتكِ يا زينب.

لا أدري لمَ هربت منكِ سابقًا، هل اعتدت أخبار الموت فباتت عندي سواء؟ هل أُصبت أنا أيضًا بالتبلد الذي أصاب العالم؟ أم خفت أن أصدر الأحكام أنا الأخرى بحقك، فقررت أن أدير وجهي عنكِ فلا تصيبك أي خاطرة مني تجرح حرمة رحيلك؟

لا أدري كيف أسقطوا عليكِ تهم الكفر وأقروا عليكِ النار مصيرًا؟!

 

لا يا صغيرة.. لن أسقط عليك التهم ولن ألصق على جبهتك “كافرة”.. لا تكترثي لهم، فذلك الحب الذي غمر قلبي وقلوبًا أخرى شعرت بالغم لرحيلك كفيل للرحمة بأن تعلو رأسك، وكفيل أن يشفع لكِ عند الله.. لا تكترثي لبشر هم في الحقيقة أضعف من تلك النملة التي يدهسوها بقسوة واغترار.. فقط لا تهتمي وابحثي عن الضوء الذي خبا في الحياة.. طاردي الضوء أينما كان، وعندما تجديه اسعدي.

 

*****

زينب.. أكان الأنس سيغمركِ لو ضممتك؟!

وأنتِ بين يدي الله فقط اشعرى بالسلام.

لكِ كل الرحمات والحب.

 

 

 

 

المقالة السابقةجدّ الزيتون
المقالة القادمةفتيات إفريقيا الجميلات الممتلئات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا