فيلم Pink.. دليل حماية النساء من التحرش

3882

 

“إيه اللي وداها هناك؟ إيه اللي لبسها كده؟ إيه اللي رجعها متأخر؟”.

عبارات متكررة نسمعها مع كل حادثة تحرش أو اعتداء على أنثى، لا يهم إن كانت هذه الأنثى مصرية أو عربية أو حتى هندية، فيبدو أن المتحرشين لديهم قوانينهم الخاصة المطبقة في كل أنحاء العالم.

 

منذ عدة أيام شاهدت فيلم “Pink” للمرة الثانية، وهو فيلم هندي يناقش قضية التحرش في الهند، ومعروف أن الهند في مشكلاتها الاجتماعية تتشابه كثيرًا مع عددٍ من البلدان العربية. لذا أردت أن أكتب عن هذا الفيلم الهام، الذي ينتصر للمرأة التي عانت طويلاً من التحرش والمضايقات.

 

يحكي الفيلم قصة ثلاث شابات ضحايا اعتداء جنسي، يحاكمن ظلمًا بتهمة قتل المعتدي، هن: “مينال/ تابسي بانو”، “فلك/ كيرتي كولهاري”، و”أندريا/ أندريا تاريانغ”. الشابات الثلاث من بيئات مختلفة تمامًا، فالأولى هندوسية، والثانية مسلمة، بينما الثالثة قادمة من إقليم متمرد، يعشن مستقلات في منزلٍ واحد، ورغم اختلاف البيئة يوحدهن كونهن نساء في مجتمع يرى المرأة مواطنًا درجة ثانية.

 

غالبية أحداث الفيلم تقع في المحكمة، حيث نشهد مرافعات محامي الادعاء الذي يحاول جاهدًا أن يثبت أن الفتيات ما هن إلا بائعات هوى يوقعن الشباب الطاهر في حبائلهن، مدللاً على ذلك بطبيعة حياتهن المستقلة، ملابسهن، وعودتهن للمنزل متأخرات. وهي أشياء كافية لوصم النساء بالانحلال في الهند ومجتمعاتنا العربية أيضًا.

 

محامي الدفاع يؤدي دوره الأسطورة أميتاب باتشان، حاول جاهدًا أن يثبت أن الحياة المستقلة والملابس والتوقيت أشياء لا تثبت شيئًا عن شخصية الفتاة، وفي أثناء مرافعاته ألَّف ما سماه “دليل الأمان للفتاة في الهند”، وهو دليل أراه يصلح بشكل كبير للمرأة في كل مجتمعاتنا العربية. دليل الأمان مكون من أربع قواعد، هي كالتالي:

 

القاعدة الأولى:

“لا يجب على الفتاة أن تذهب وحدها مع شاب لأي مكان، فعند قيامها بذلك سيفترض الناس أنها أتت طوعًا إلى هناك ليتم التحرش بها”.

تُذكرني هذه القاعدة بالعبارة التي تتردد مع كل حادثة تحرش “إيه اللي وداها هناك؟”، وكأن وجود الفتاة في مكانٍ معين برفقة أحدهم هو إشارة خضراء ليعتدي عليها دون أن يعاقب أو حتى أن يُلام.

تعرفي على: قصة الفيلم الهندي دانجال

القاعدة الثانية:

“لا يجب على الفتاة أن تبتسم أثناء التحدث إلى شاب أو أن تلمسه بشكلٍ عفوي، لأنه سيفهم أن ذلك تلميح، فابتسامتها موافقة ضمنية للتحرش، وتصرفها الطبيعي سيجعلها في نظر البعض عديمة الأخلاق”.

اعتدنا نحن النساء في شوارعنا العربية أن نسير بوجهٍ مُتجهِّم، فربما فسَّر أحدهم ابتساماتنا تفسيرًا خزعبليًا، أما الضحك فهو خيار غير مطروح على الإطلاق، لأن الضحك = الانحلال، وهي معادلة ندرسها على أيدي أمهاتنا منذ الصغر.

 

القاعدة الثالثة:

“لا يجب على الفتاة أن تعود لمنزلها في وقتٍ متأخر، فالمجتمع يحدد شخصية الفتاة تبعًا للساعة، سير الفتاة في الشارع ليلاً يجعلها عرضة للتحرش بصورةٍ أكبر عنه في النهار، فالعائدة في وقتٍ متأخر -في نظر المجتمع- عديمة الأخلاق”.

في كل أسرة هناك ساعة محددة يجب على الفتاة أن لا تتجاوزها أثناء وجودها في الخارج، ما يجعل كل واحدة منا أشبه بالسندريلا التي تفزعها دقات الساعة فتهرول راكضة. العودة متأخرة للمنزل أمر يثير حفيظة عم عبده البواب وطنط حشرية، وهو ضوء أخضر لذئاب الشوارع لممارسة تحرشاتهم الخسيسة.

 

القاعدة الرابعة:

“لا يجب على الفتاة أن تشرب المشروبات الكحولية، فالشاب والمجتمع يعتقد أن الفتاة التي تشرب الكحول سهلة المنال. الفتاة فقط، الشاب لا ينطبق عليه ذلك”.

لننحي الكحوليات جانبًا، ولنتحدث عن السجائر مثلاً. تدخين الفتاة عيب، وإشارة عند البعض إلى أنها أكثر جرأة، وعند البعض المتحفظ أنها أكثر انحلالاً من غيرها. التدخين دائمًا يرتبط بحياء الأنثى وأخلاقها، بينما هو مرتبط بصحة الشاب لا أخلاقه.

 

“مينال” عندما حاول الجاني أن يستميلها لإقامة علاقة جنسية، كانت تصرخ بـ”لا”، هو لم يُعر هذه الـ”لا” اهتمامًا، وحاول أن يعتدي عليها، فما كان منها إلا أن ضربته بما طالته يدها، لتجد نفسها متهمة بالقتل.

 

أروع ما في الفيلم نهايته، عندما تلا محامي الدفاع مرافعته الختامية، حيث قال للقاضي: “لا.. لا يا حضرة القاضي، (لا) ليست مجرد كلمة، إنها جملة كاملة، لا تحتاج لشرحٍ أو تفسير، (لا) تعني ببساطة (لا)، موكلتي قالت (لا) يا حضرة القاضي، وهؤلاء الشباب عليهم أن يدركوا أن (لا) تعني (لا)، سواء كانت الفتاة إحدى المعارف أو صديقة أو حبيبة أو بائعة هوى أو حتى زوجتك، (لا) تعني (لا)، وعندما تقول إحداهن (لا) فعليك أن تتوقف”.

 

 

 

المقالة السابقةبيوت الروح
المقالة القادمةضياء” غير المضيء في مسلسل “الوصية”

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا