بقلم/ تسنيم فهيد
“الاحتلال يتحكّم في كل التفاصيل اليومية الصغيرة، وإلا كيف يكون احتلالًا؟!”.
نهار خارجي
ينظر إلى ما وراء الأفق. ظهره للجدار العازل. ينتظر مرور السيارات ويتأكد من خلو الطريق. يتسلق الحبل المتدلي من الجدار. برشاقة قط تعود التسلق حتى أتقنه. يصل إلى القمة ويبدأ في النزول إلى الطرف الآخر، فينهمر عليه الرصاص من كل جانب.
أمجد وطارق و”عمر”، الرفاق الثلاثة الذين شبّوا معًا في وطنهم المحتل. لكلِ منهم عمل وحياة وأحلام عريضة تُشبه أحلام الآخرين.. تُشبه أحلامنا العادية. لكنهم في أوقات فراغهم وثرثرة الشباب يتحدثون في شيءٍ آخر لا نتحدث عنه نحن. يتحدثون عن “العملية” القادمة التي سينفذونها تجاه العدو المحتل. فكونك تعيش في وطنٍ محتل ليس أمامك إلا أن تكون قاتلًا أو مقتولًا.
ليل خارجي
يسطو “عمر” على إحدى السيارات ويتجه بها نحو النقطة التي ينتظر فيها صديقاه. يراقبون الجنود عبر نظارة مُكبرة. يناول طارق البندقية الآلية لأمجد، الذي يحاول أن يتملص من القيام بدوره.. يقترح “عمر” أن يسوّيها بدلًا عنه. لكن طارق يصمم: “مينفعش، هاي مش لعبة؛ أمجد لازم يشارك، ينفعش يكون مقاوم بالفرجة”. يصوّب أمجد في اتجاه أحد الجنود ويرديه قتيلًا، ويعود كل منهم إلى داره بعدما يتخلص “عمر” من السيارة بسكب البنزين عليها وإضرام النار فيها.
عمر ونادية يحبّان بعضهما بعضًا. وأمجد يحب نادية من طرف خفيّ. نادية أخت طارق الصغيرة. وعمر وأمجد وطارق شركاء المقاومة ورفاق الدرب منذ عهد الطفولة. حتى في الأوطان المحتلة، تستحيل العلاقات الإنسانية على التبسيط.
“تِعرفوا كيف بيتْصَيَدوا قرود في أفريقيا؟”.
أحدهم يشي بالرفاق الثلاثة. ينجح الجنود في اعتقال “عمر”. هناك في السجون الإسرائيلية تبدأ رحلة التعذيب البشع من أجل الحصول على اعتراف. يصمد “عمر”، فتبدأ المرحلة الأخرى. دس أحد عملائهم ليتقرّب منه ويحذّره من أنهم سيرسلون إليه عميلًا كي يحظى منه باعتراف. لكن “عمر” يُخبره في ثبات: “بيستحيل يطلعوا مني اعتراف”. دون أن يدري أنه بتلك الكلمات، قد اعترف.
تبدأ المساومات. “عمر” الذي ظن أن بإمكانه خداع العدو، يوهمهم أنه سيسلمهم رأس طارق خلال شهر مقابل إطلاق سراحه. لأنهم يعتقدون أن طارق هو قاتل الجندي.
– “اسمعني منيح.. إذا بتعترف بيكسروا إرادتك، وبيخلوك تعتمد عليهم، وهيك بتكون متعاون بسهولة. اوعى بعمرك تصير عميل. هاي ما فيها رجعة، ما فيه خلاص. ما فيه نهاية!”.
يتواصل “عمر” مع رفيقيه. يُخبرهم أن بينهم جاسوسًا. يشد أمجد على يديه ويشكره لأنه لم يضعف ويعترف عليه، وأنه سيظل مدينًا له. يعثرون على الجاسوس.
– “البحر هلأ على بعد 15 كيلو من هون وأنا عمري ما شِفته. بس هِنّا وعدوني إنهن يعطوني فيزا. فيزا لنيوزلاندا”.
– “ليش نيوزلاندا؟”.
– “بحر.. طبيعة.. حياة”.
– “بتخون المقاومة يا ابن الكلب عشان فيزا؟”.
قد تظن عزيزي القارئ أنهم حين أوقعوا بالجاسوس انتهى الأمر عند هذه النقطة. لكن جاسوسًا آخر يُبلغ العميل الصهيوني. رامي الذي عقد الاتفاق مع “عمر” بالكمين الذي يعدونه لهم. ليُقبض على “عمر” مرة أخرى ويعود إلى ويلات التعذيب وبنود المساومة من جديد.
– “طيب ليش طلعوك هيك المرة؟ أقنعتهم مرة تانية إنك راح تشتغل معهم وإنت مش راح تشتغل معهم؟ بتفكرهم أغبيا لها الدرجة؟”.
– “طارق.. أمجد غِلط. غِلط مع نادية ولازم يتزوجها”.
لا يعني كونه وطنًا محتلًا ألا يحاول أحدهم سرقة حبيبة صديقه، والكذب من أجل نيل مآربه.
ولا يعني كونك اشتركت في المقاومة أنك شخص خارق، لا تحمل الضغينة وتشعر بالكره وتخطط من أجل مصلحتك الشخصية، وأنه يستحيل أن تتحول إلى خائن أو عميل.
– “ليش بتعيط؟”.
– “عشان إنت ما بتعيط”.
– “من اليوم ورايح ولا بعرفك ولا بتعرفني!”.
_____________________
فيلم “عمر” تم تصويره بالكامل في فلسطين. من إخراج وتأليف هاني أبو أسعد، وكان مرشحًا لجائزة الأوسكار أفضل فيلم أجنبي. حصد 7 جوائز عالمية في مهرجانات عربية ودولية، من ضمنها جائزة مهرجان “كان” السينمائي لسنة 2013 عن فئة خيار لجنة التحكيم.
يُمكنكم مشاهدته كاملًا هنــا.