علي بحر والضرغامي والبرنس.. كله متعلق باللي مش ليه

972

مشهد (1)

– وأنا إيش دراني إن الحب جاي لواحد من آخر الدنيا عشان يحب حبيبتي؟

– إنت هتجنني يا بحر؟ أبوها يجيلك لحد عندك وتقوله لأ؟!

– عشان قلبها مش ليَّ يا بساطي، ناخدوها وقلبها مش ليَّ؟ بدل ما نتعسوا روحي بس نتعسوا تلاتة؟ أني شوفتها.. عينيها كانت بتزغرط وهي باصة له، نهون عليك ناخدوها وقلبها مش ليَّ؟ تهون هي عليَّ نعملوا فيها كده؟ نحبوها ونؤذوها يا وديع؟

 

جاء هذا الحوار على لسان “علي بحر” أحد أبطال مسلسل “أهو ده اللي صار”، والذي يعرض حاليًا على شاشة إحدى الفضائيات ويجذب انتباه الكثيرين، ومن تأليف الكاتب صاحب الطابع الصوفي في الكتابة عبد الرحيم كمال، وإخراج حاتم علي، وقام بالشخصية الفنان المجتهد محمد فراج.

هنا “علي بحر” أحب “نادرة” الفتاة الصعيدية التي تعيش في أحد القصور مع والدها الخادم، إلا أن القدر يجعلها تتعلق بـ”يوسف بيه نوار” صاحب القصر. الحب الذي يراه “علي بحر” في أعين الاثنين. “كنت جنب سور المحبوب بنشوفوه وهو في عين حد تاني، كل حاجة حواليهم كانت بتنطق بالحب، كل حاجة كانت موجودة وبتنطق، إلا حاجة واحدة مكانتش موجودة الليلة دي، نصيبي، مكانش الحب من نصيبي”. الحوار المميز يصل بنا إلى تفضيل المحب سعادة حبيبه على أنانية حبه، كعهد أصحاب تلك التجربة المريرة، والتي يظل المؤلف خلال الحلقات يعزف عليها أحيانًا من خلال تعبيرات تدغدغ المشاعر مثل: “كل واحد متعلق باللي مش ليه”، خصوصًا مع وجود “أصداف” التي تحب “علي” هي الأخرى من طرف واحد.

مشهد (2)

– ولا لحظة في ليل أو نهار، طيفها مبيفارقش خيالي، ورايا في كل حتة، حتى في أحلامي مبشوفش غيرها، بناجيها في سري وأنا في وسط الناس، وبكلمها بلساني وأنا لوحدي، كل اللي حصل واللي هيحصل شوفته مسطور في ابتسامتها وضحكتها اللي منورة وشها.. عايز أشوفها تاني يا بشر

– إزاي يعني طيب؟ والولاية والزهد والدروشة؟!

– أنا مش درويش ولا شيخ ولا زاهد، لكن برضو مش عاصي ولا عربيد. الحب مش خطيئة، الحب العفيف درجة من درجات التجلي والتفاني في الملكوت، والإمام علي قال في نهج البلاغة “من أحب فعف فهلك دون حبه فهو شهيد”.

في هذا المشهد حوار آخر يحمل أيضًا لمحة صوفية في السرد، وقد يكون ذلك ليس مصادفة، فالبعض يرى أن الشخص الأقرب إلى التصوف يمكنه الوعي بمشاعره وتفنيدها والتأقلم معها، ومعايشتها وإجادة الحكي عنها، كما كان في المشهد الذي جاء على لسان “عبد الفتاح الضرغامي” في حبه المستحيل -إذا جاز لنا تسميته- في مسلسل ” زيزينيا” للكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، فهو المدرس المجذوب الذي أحب “عايدة” الفتاة الأرستقراطية المدللة، التي هي في الأصل تائهة بين معجبيها ورغباتها، ولكنها ترتبط ببعض المشاعر مع بطل المسلسل “بشر عامر عبد الظاهر” وتنتبه جيدًا لمشاعر “الشيخ عبد الفتاح”. وفي مشهد عبقري يتحدث الحبيبان “بشر” و”عبد الفتاح” عن “عايدة” وكلاهما يؤلمه الحب.

مشهد (3)

متكتبش كتابها إلا في زفة، وأبوه بنفسه ييجي لغاية هنا ونعملها الزفة والميدان كله يتلم لها، وتنزل هي من العربية والناس مستعجبة حورية من الجنة ساكنة في أبلكاش، والعربيات كلها هي دي زفة غوايش يابا عفيفي، لو كنت سيبتني كنت عملت لها الزفة دي، لكن إنت خوفت خوفت أقول لأ، استخسرتها فيَّ وشحتها لواحد أهله طردونا من بيتهم

 

وهنا يأتي الحديث على لسان “البرنس” ابن “عم غوايش”، والذي يضع في كل مرة تراه على الشاشة حكمته المقصودة أو غير المقصودة، لكنها تمنح السياق العام إشارة مميزة حين يقول: “حديد على حديد يفعل الله ما يريد”، ويتتبع في كل خطوة حبيبته التي يراها العالم وما فيه ويحميها، مقتربًا من أسطورة قديمة لأصحاب صندوق الدنيا، الباحثين عن الرزق في الموالد لديهم هم أيضًا قوانينهم الخاصة. من يحمي الفتاة يتزوجها، ولكل واحد توبة. لكن حين تحب وتتزوج رغمًا عن أبيها والمجتمع لا يجد مفرًا من الوقوف بجانبها ومباركة حبها.

وهي الشخصية التي قام بها الفنان الراحل الكبير إبراهيم عبد الرازق بمنتهى البراعة، في مسلسل “غوايش” تأليف أحمد جلال عبد القوي، وقام ببطولته كل من صفاء أبو السعود وفاروق الفيشاوي.


للحوارات السابقة تيمة خاصة جدًا للمحبة، حبًا للحب والحالة المصاحبة له من تعلق وافتنان وترقب وشوق، طرفها الوحيد في اللعبة قد يعلم عذاباتها جيدًا، لكنه لا يرغب في الخروج من الحالة، وإن علم حتى أن الحب الحقيقي يحتمل طرفان، كلاهما يقدم للآخر مشاعر واهتمامًا وأمانًا، لكنه لا ينتبه، ويتمسك بما يرى، حب يبعد صاحبه عن عالم العقلاء ويرميه في بئر “حب المجاذيب”، وهي حالة قدمتها شاشة التليفزيون في قصص درامية بديعة.

معادلة فريدة تحدث ما بقيت الحياة، محبة تخطف المشاهد وقد يتمنى أن يحياها للحظة ويعيد النظر مرة أخرى مع كل مرة يتألم فيها الحبيب الذي يدفع ثمن ذلك من صحته النفسية ورضائه عن الدنيا ونفسه وسعادته، خصوصًا مع اختلاف معالجته لما يشعر به تجاه المحبوب، أقرب لتلك القصة البعيدة ذات الأبيض والأسود التي صبغها العظيم نجيب الريحاني بصبغة خفيفة الظل في آخر أفلامه “غزل البنات”، وأجاد التعبير عنها بألحانه العظيمة في متن الفيلم الموسيقار محمد عبد الوهاب، وكتبها حسين السيد، يمكن تلخيصها في جزء من الأغنية “وكل ده وإنت مش داري يا ناسيني وأنا جنبك، حاولت كتير أبوح وأشكي وأقرب شكوتي منك، لقيتك في السما عالي وأنا في الأرض مش طايلك، حضنت الشكوى في قلبي وفطمت الروح على بابك”.

اقرأ أيضًا: لماذا لا نتوقف عن حب الذين خذلونا؟!

المقالة السابقةفخ الحب الأعظم
المقالة القادمةنفسك تكوني إيه بعد خمس سنين؟
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا