“أنا ببساطة نص الدنيا.. مش محتاجة إني أثبت إن وجودي مهم.. وقبل ده كله كفاية عليّ.. إن ليّ مكان في الجنّة عشان أنا أم”.. أنغام – نص الدنيا.
عزيزتي أنغام..
تعرفي إن كل الأمهات اللي خلفوا، مش بالضرورة يكونوا ملايكة والجنة تحت أقدامهم، وعلى العكس، مش كل اللي مخلفوش منقدرش نطلق عليهم لقب “أم”؟ بالعكس جدًا.
عندك مثلاً الطفل “أوسكار”، ده طفل جميل جدًا عنده 10 سنين، لكنه هيموت خلال أسبوعين عشان عنده سرطان في مرحلة متقدمة. “أوسكار” كان ناقم على كل حاجة وعلى كل الناس، وبالأخص على مامته وباباه، اللي مقدروش يواجهوا الموقف، ولا يبصوا في عينين ابنهم اللي بيموت، غرقوه بهداياهم واللعب الغالية، ومقدروش يقضّوا معاه آخر وقته في الدنيا.
على الجهة التانية، “أوسكار” قابل “سيدة وردية”، كانت ست بتلبس اللون الوردي، عشان ده لون اليونيفورم بتاع الممرضات في المستشفى اللي هو فيها. “أوسكار” مش بيحب الممرضة بتاعته في قسم الأطفال أصحاب الحالة الحرجة، وبالتالي المفروض ميحبش الست دي.
لكن الست فهمت حالة “أوسكار”، وتعاطفت معاه، وبدأت تحكيله حكاياتها الأسطورية اللي تشده، وبالتالي هو فتحلها قلبه الصغير، وقالها على الحاجات اللي مضايقاه في الدنيا، قالها إنه نفسه أهله يكلموه زي ما هي بتكلمه، ضحك معاها من قلبه وحكالها على “بيجي بلو”، البنت اللي مصابة بمرض بيخلي لونها أزرق، وكل أطفال القسم بيتخانقوا على الفوز بحبها.
عزيزتي أنغام..
هل ممكن إن حد يحب طفل أكتر من أبوه وأمه؟ الإجابة البديهية بتكون لأ، وإحنا منعرفش إن كانت السيدة الوردية حبّت “أوسكار” أكتر من أهله ولا لأ، يمكن أهله يكون حبهم له أكبر بكتير، لدرجة إنهم مستحملوش يشوفوا ابنهم بيموت.
السيدة الوردية مكانتش أم لـ”أوسكار”، بس قدرت في خلال ساعات قليلة إنها تكتسب مكانة كبيرة جدًا عنده، وتعمل اللي أهله مقدروش يعملوه، مقدرش أرمي باللوم الكامل على أهله، مش من السهل إن حد طفله يموت قدامه بالطريقة دي. بس الست اللي بتلبس وردي مهربتش من “أوسكار” ومن حالته المرضية، ومن تعلّق قلبها بيه الكام يوم دول، على العكس، “أوسكار” هو اللي قرر يهرب لبيتها عشان يقضّي معاها الكريسماس، قبل ساعات من موته.
الست دي عملت اتفاق مع “أوسكار”، اللي مكانش فاهم إزاي يموت في السن الصغيّر ده ومش هيكبر، بس هي خلّته يكبر ويحب ويتجوز ويموت وهو عجوز، خلته يسأل ربنا ويعاتبه ويحبه بطريقته، لأنها كانت عارفة إنه طفل ومحتاج يكبر شوية قبل ما يموت، يكبر بطريقة صح، مش بالطريقة اللي تخلّي الروح تشيخ وتتكسر.
هي مكانتش أم لـ”أوسكار”، وعمرها ما ادّعت إنها أمه، ولا هو قال ليه يا رب مخلتش الست دي تبقى أمي بدل أمي الحقيقية، بس المشاعر مش لازم تكون بالوضوح الصارخ ده، يعني إيه اللي يخلّي الست دي بدل ما تجري على بيتها بعد ما تخلّص الشيفت بتاعها، تجري على أوضة “أوسكار” عشان تعرف آخر أخباره، تتكلم معاه، وتديله من مشاعرها ووقتها، غير إحساس بالأمومة تجاهه!
عزيزتي أنغام..
السيدة الوردية طول الوقت إحنا مش عارفين اسمها، ومش محتاجين نعرفه، إحنا عارفينها بقلبنا، هي الأم الحقيقية لـ”أوسكار” في آخر 14 يوم في عمره القصير، الأم اللي يتمناها أي طفل لو حصلتله مصيبة، زي إنه هيموت مثلاً.
الست دي مكانش لها ذكريات مع “أوسكار”، متعرفش مرحلة التسنين، ولا أول يوم مشي فيه، ولا مرجحته في يوم فخطف قلبها، ولا عاشت وجع العمليات ولحظة الاكتشاف الأولى للمرض، يمكن عشان كده الموضوع كان أسهل عليها في التعامل معاه في آخر أيامه، يمكن ربنا بعتهاله مخصوص عشان عارف إن أهله مقدروش يستحملوا، فبعتله اللي ميحسش بالوحدة في وجوده.
عزيزتي أنغام..
مش كل الأمهات هيسيبوا أطفالهم في لحظاتهم الصعبة وآخر أيامهم، ومش كل الممرضات في حنيّة وذكاء السيدة الوردية، وقصة “أوسكار” والسيدة الوردية أساسًا رواية لإيريك إيمانويل شميدت. بس أنا واثقة إن فيه كتير من السيدات الوردية، والزرقاء والبيضاء والسوداء، موجودين في حياة كتير من الأطفال، ومش بيكونوا أمهات بيولوجيين للأطفال دي، بس بالقلب وبالتصرفات بيكونوا أمهات حقيقيين، لأطفال مخرجوش من أرحامهم.