مقال اليوم عن ثُلاثية سينيمائية تأخُذك معها داخل خلطة سحرية يصنعها القدر ويُثريها التواصل وتسكُنها الأحلام ثم تتركك بين كَفَّي الواقع تفكر، تتساءل، تُحب.. وتحزن.
1- “قبل شروق الشمس” 1995
يَطل علينا سائح أمريكي وطالبة فرنسية يتقابلان فى قطار بالصدفة فيعرض جيسي على سيلين أن تغادر معه إلى فيينا حتى موعد طائرته بالصباح التالي، فتوافق وتبدأ الحكاية.
كما يليق بأسطورة نرى بطلين غريبين يتجولان ببلد أوروبية ويتجاذبان أطراف الحديث حول كل شيء: طفولتهما، أحلامهما، مخاوفهما، عيوبهما، تَحَفُظاتهما على آراء المجتمع، هلاوسهما وهوَسهما. في زمن قدره ساعات يخترق كل منهما عالم الآخر الخاص جدًا، وحين تقترب الأرواح وتنسجم يأتي ميعاد الرحيل، وكمراهقين مثاليين يُقرران أن يلتقيا العام القادم بنفس محطة القطار ويفترقان دون أن يتبادلا أي وسيلة اتصال.. لينتهي الفيلم ونحن نتساءل.. هل سيعودان؟!
2- “قبل غروب الشمس” 2004
جيسي وسيلين صارا في الثلاثينيات. المكان مدينة أوروبية أخرى. تبدأ الأحداث بندوة أدبية بباريس، حيث يُناقش جيسي روايته التي سَجَّل بها أحداث تلك الليلة التي عاشها مع سيلين قبل 9 سنوات، يذهب هناك على أمل أن يلتقي بها بعد أن خذلته ولم تأت إلى المحطة كما اتفقا فيُقابلها فعلًا!
يصحبانا هذه المرة في جولة جديدة بطلها كالسابق المكان والحوار. غَير أن حديثهما لم يَعُد صاخبًا أو حالمًا، فالعمر الذي عاشاه مفترقين والنُضج الذي خَلَّفَته التجارب تركا بصمتهما على أرواحهما قبل وجوههما.
بمرارة واضحة يُخبر كل منهما الآخر عن حياته التي لم تسِر كما ينبغي، فها هو جيسي متزوج ولديه طفل لكنه غير سعيد بحياته، وها هي سيلين تعبر من تجربة إلى أخرى تاركة أجزاء منها لكل رجل مرت بحياته، آخذة معها تفاصيلهم الصغيرة التي تُذَكِّرها طوال الوقت أنها لم تعد كالسابق، فيتبادلان اللوم قبل أن يعودا إلى نفس الدائرة المُفرغة.. ماذا لو!
إلى أن تأتي اللحظة الفارقة وموعد طائرة جيسي، لينتهي الفيلم دون أن نعرف ماذا هما فاعلان!
نعم جيسي ستفوته الطائرة لكن ماذا بعد؟!
ليتركنا الفيلم نتساءل ونأمل ونُفكر في لعبة القدر واحتمالات الفُرص الثانية وبَعث رَمَاد الأحلام القديمة.
3- “قبل منتصف الليل” 2013
مثل الجزئين السابقين تأتي الأحداث في مدينة غريبة، اليونان هذه المرة. يطل علينا جيسي وسيلين وعلامات الزمن واضحة أكثر من ذي قبل على وجه كل منهما، فها هما في الأربعينيات قد أنجبا طفلتين توأم لكنهما لم يتزوجا، رغم ترك جيسي لزوجته وابنه، ما يجعله في صراع دائم مع نفسه.
نراهما تلك المرة يتحدثان كالآباء عن صحة الطفلتين، الطعام والملابس، يتناقشان حول العمل. شيءٌ ما قد اختفى، رُبما هي لمعة العين، الشغف أو التَفَرُغ التام لعلاقتهما!
أخيرًا.. تسنح لهما الفرصة للتجول بمفردهما بالمدينة سيرًا كالعادة، فيتحدثان عن التقدم في العمر وأثره على شخصيتيهما وكيف أثّر إنجاب الطفلتين على علاقتهما. ثم تسأل سيلين جيسي هل لو رأيتني اليوم بالقطار ستطلب مني المغادرة معك مرة أخرى؟! وحين لا يُجيبها بنعم قاطعة تغضب.
كُلما حاولا التطرق لحُبَهما انتهى بهما المطاف بالحديث عن مشكلاتهما الحياتية والزوجية، بل والجنسية أيضًا، يتراشقان بسلاح الكلمات الذي يُجيدانه، فيُخبر كل منها الآخر كيف عرقلته حياتهما معًا عن تحقيق بعض الأحلام لتظهر لنا ولأول مرة تلك الفجوة التي اخترقت قدرتهما على التواصل!
يظل الأمر هكذا إلى أن ترحل سيلين وهي تُخبر جيسي أنها لم تعد تُحبه بعد اليوم! فيذهب إليها مُحاولًا تحسين الأمر من أجل كل ما كان وسيظل بينهما، لينتهي الفيلم دون أن نعرف هل سينقذهما حُبهما أم ستَقهره أزمة منتصف العمر!
لا أعرف إذا ما كانت الحياة ستمنحنا جزءًا رابعًا بعد 9 سنوات أخرى أم لا، لكن بشكل عام أرى أن علينا ألا نفقد الإيمان بأحلامنا وبَعث الحياة فيها، مهما كَلفنا ذلك من آلام المخاض، ولنَكن على دراية من أن التجربة لن تَسلم من العراقيل والفِخاخ، فلنكن على حَذر ولنتسَلح بالسلاح الأكثر قوة دائمًا وأبدًا.. الحُب.
لينكات الأجزاء: