بكرة تلبسي سواد يا بلطية

2349

“بلطية العايمة”.. وش من وشوش الماكس

المكان: الماكس/ إسكندرية.

الزمان: أوائل الألفية التالتة.

بحر وبحيرة ونيل.. ورجل أعمال يلمح الجمال في المنطقة فيقرر شراءه.

– نسميه بورتو ماكس؟

– لأ تقيل أوي.. إحنا نسميه ماكس بورتو.

– هايل يا باشا.

وجه “بلطية” الطبيعي بدون أي جمال مُصطنع، وجسد ملفوف بهموم الحياة لكنه بيجري ويخف رغم أنف الدنيا.

بيت الشمس داخلاه من كل ناحية، لكن بابه تحت مستوى الدنيا؛ بتطلع منه بسلمتين.. تلات أطفال “فريال” اللي اتولدت ف سيما فريال، “عيد” اتولد ف عيد العمال فالحكومة اديتهم منحة، “علي” اللي مفروض بقى يبقاله اسم حلو، “موجة” أخت شابة بدلع بنات بحري وبكسرة الفقر، صوت (مجرد صوت) لأم خرفة.

عربية بليلة ووشوش غلابة متجمعة بتدوق الحلو.. يشق الصف وش السُلطة ببلاغ كيدي، فتشتريه بطبق بليلة بالمكسرات، وتحاول ترفض حساب البليلة:

– خلّي يا باشا.. خلينا نعمل حاجة لمصر نرد جمايلها علينا.

الشرطة هي مصر.. “بلطية” جواها شيء عارف إن اللي زيها ملهومش مكان، وعشان كده محور القصة كلها حوالين المِلْك الوحيد اللي بتملكه.. بيتها. ليه ياخدوه منها بسعر شقة ف العشوائيات لما هو يسوى ملايين.

– هي بلدنا كده الأرض ف إيد الغلبان متساويش التراب، يحط إيده عليها الغني تساوي دهب.

لما ابنها يصحيها من النوم ويسألها ليه مبتعمليش تراخيص عربية البليلة تقوله أصله مش ترخيص واحد.. وتمسك صوابعه وكأنها بتلاعبه آدي البيضة:

– ده ترخيص الصحة، وترخيص البلدية، وترخيص التموين، وترخيص المحافظة للحتة اللي هنقف فيها، وترخيص البيئة.. وترخيص أمك أمك أمك…

وتزغزغه وتضحك. ضحكة “بلطية” ضحكة اللي شاف بُكا خلاه عارف قيمة الضحك.

الأغنية الأهم في الفيلم لما تهادي “علي” ف عيد ميلاده بكوتشي وأغنية:

– مبروك عليك الكوتشي مبروك

احمد ربنا متلبستشي مبروك

يا سعدُه يا حظه اللي يجيله كوتشي

همّ يجيبوا شمعة وتورتة وإحنا نجيبو طورشي

مبروك تلبسها وتعيش لما ابنك يورثها

أول لقاء بين وشوش الماكس مع رأس المال كان تجمهُر أمام نائب البرلمان عن المنطقة بيقنع الأهالي ببيع بيوتهم، لكن “بلطية” بأسهل كلمات فضت المؤتمر:

– طب ما تبنولنا 6 عماير جنبكم تسكنونا فيها، ولا إحنا جرَبَة، ريحتنا وحشة ومننفعش نسكنو معاكم!

وتبدأ الحرب مع رأس المال.

تُقْل الدنيا على كتاف “بلطية” كان بادئ قبل كده بكتير.. جوزها اللي سافر يصطاد ف بلاد الأحباش ومجاش، أختها اللي الخوف والفقر بياكلوا حبها فتحاول تتجوز من تاجر مخدرات وخطيبها الأول بيحمل الذنب كله لـ”بلطية”.. صوت أمها اللي دايمًا حاسة باضطهاد وساخط ع الجميع.. أمها اللي صوتها مجلجل من أول مشهد في الفيلم وصاحبته مبتظهرش غير اليوم اللي بتموت فيه.. الإسعاف وهي شايلاها تطلب منهم يقفوا يفرجوها ع البحر.

– ياه! هي إسكندرية بقت حلوة أوي كده؟!

بلدنا من برة شكلها حلو أوي.

“بلطية” اللي الدنيا بتهد فيها.. من أول عربية البليلة والكشك اللي اتحرق ونزولها مع صيادين السمك، وحتى البياعة الصينية اللي حاولت تلف معاها ع البيوت، ولحد ما حاولت تقابل المحافظ عشان تشتكيله إن رجل الأعمال اشتري كل البيوت حواليها وفتح المية عشان يبوّش سقف بيتها.

اتحولت ف لحظة لإرهابية ولازم تعترف مين اللي دفعها لاقتحام موكب المحافظ.. قضية أمن دولة وحرب مع رجال أعمال واستثمار عالمي، و”بلطية” ف التخشيبة بتفكر بس ف إن الولة “علي” لو قام بالليل يشرب وملقانيش هيتصَرَع.

– كل الناس عارفة إني جنيّة ف عوم المالح بس ف بحر الدنيا بنغرقو ف شبر مية.. يا رب دنيتك حلوة أوي.. أوي، بس آني مش عارفة نسلكو فيها.

تخرج م الحبس تترمي ف حضن البحر، وكأن الموج بينفض همومها ويبلعها جواه.

بطل الفيلم هو البحر، بقوّته وبحضنه الواسع وبهموم الناس اللي بياخدها منهم ويبلعها وميشتكيش.. “بلطية” بحر صغير ماشي على رجلين.

المشهد اللي بيقفل كل الأحداث ويوصلنا لقاع اليأس:

مصوّر فوتوغرافي شاف ملامح قوة البحر ف “بلطية”، فصوّرها ودخل بصورها مسابقة عالمية، ولما بتروح تحضر حفل التكريم تقف ف آخر القاعة والحضور ضهرهم ليها، تلاقي المصور اتبرع بالجايزة لـ”الوزير الفنان” وزير الثقافة، وبيهدي المبلغ المالي -وبطيب خاطر- لأوائل طلبة فنون تطبيقية، ويمنح “بلطية” فقط كلمة ف المؤتمر.. دي جايزتها!

– … وبنبارك لسعادة البيه الوزير وإن شالله دايما م الأحسن للأحسن، وربنا يخلي طلبة الفنون التطبيقي ويفرّح بيهم أهاليهم.. إن شالله.. وربنا يخليكو لينا ويخلينا ليكو ونفضلو دايمًا نترَسَم ونتصوَّر…

ف نفس وقت التكريم كان اللودر بيهد بيت “بلطية”. بترجع وتمسك الخشب المتكسر وفلاش باك لكل الذكريات اللي اتفتفتت تحت حديد اللودر، حتى إصيص زرعة النعناع اللي كان طول الفيلم بيعدل مزاج الحياة فيصبرنا ع العيشة مع كوباية شاي، بتلاقيه متكسر وسط حطام البيت.

العجيب إن حرب “بلطية” مع رجل الأعمال يمكن تكون اتحسمت لصالحه، لكن حربها مع الدنيا بتبدأ رحلة جديدة وهي واخدة اللي اتبقى م العفش وتفرشه ع البحر، وتاخد العيال وتجري تنزل المية وهي بتضحك، وأمنيتها الوحيدة إن ع الله بس يسيبولنا البحر مياخدوهوش هو كمان.

“بلطية” وش بقوة البحر وطيبته، معافرته وانكساره، جبروته وبساطته.. “بلطية” وش مصري متكرر مليون مرة بس عايشين ف بيوت بابها تحت مستوى الدنيا.

المقالة السابقةما هي صفات الرجل البصباص وكيف يمكنك علاجه؟
المقالة القادمةيوم الأجازة

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا