في مسلسل “أبيض غامق” اللي بيتعرض حاليًا على “نون” لفتت نظري شخصية سيهام.
سيهام بتغير من شهيرة جدًا وبتحاول تكره باباها فيها وتقسّيه عليها مستغلة موقف شهيرة الضعيف، بسبب وقوعها في براثن شبكة دعارة في الخارج. ولما واحدة صاحبتها جابتلها نمرة شهيرة، قطّعتها من غير ما تعرّف حد، بدل ما تقول لأهلها عشان يطمنوا عليها ويحاولوا يساعدوها وينقذوها. ولما كان أكرم زميلها في الشغل بيحبها وبيحاول يتقربلها كانت منفضاله على الآخر وبتعامله بتجاهل وتكبر، ولما أكرم صرف نظر عنها وخطب نانسي، بدأت هي اللي تتقرّبله ووقعت بينه وبين خطيبته.
لما فكرت كده شوية في الشخصية دي حسيت إن عندها جوع للاهتمام، وبتحاول تسعاله بكل الطرق، لاحظت إنها زي ما تكون مش عاوزة يكون فيه حد غيرها محل الاهتمام من الكل.. فتقسي الأب على شهيرة عشان تفوز باهتمامه لوحدها، وتوقع بين أكرم ونانسي عشان تفضل حاسة باهتمام أكرم بيها لوحدها.. وهكذا، وكأن الاهتمام ميكفيش إلا شخص واحد بس.
إمتى يكون الاحتياج للاهتمام طبيعي؟
تعالوا قبل ما نتكلم في أي حاجة نتفق إن الاحتياج إلى الاهتمام أمر مشروع بل وطبيعي، والإنسان اللي ميحتاجش للاهتمام (أو بيبان كده) يبقى عنده مشكلة. في الاحتياج المشروع والطبيعي للاهتمام:
– بنحس بالاحتياج ده ونطالب بيه كمان من غير ما نحس إن ده ضعف.
– بنقدر نقبل إننا مش لازم نكون محل الاهتمام طول الوقت من غير ما نحس إن ده بينتقص من قدرنا.
– بنقدر نقبل إن الآخرين مش هيقدروا يهتموا بينا طول الوقت لأنهم بشر وعندهم طاقة ومش دايمًا هيكون عندهم استعداد نفسي إنهم يدّوا، بنقدر نقبل ده من غير ما نحس إن ده بيقلل من مكانتنا عندهم أو من حبهم لينا.
طب وإمتى يكون الاحتياج للاهتمام مش طبيعي؟
المشكلة بتحصل لما يتحول الاحتياج لجوع، بيخلي بعض الناس ممكن يعملوا أي حاجة عشان يحصلوا على الاهتمام ده.
إزاي؟
– فمثلًا تلاقي بنت مهتمة بمظهرها زيادة عن اللازم، عاوزة يبقى وزنها مثالي ولبسها وماكياجها وأكسسسواراتها وشكلها مفيهوش غلطة، ولو حد أبدى انتقاد أو ملاحظة ده ممكن يهز ثقتها بنفسها.
– أو تلاقي شخصية مهتمة جدًا بشغلها أو دراستها على حساب حياتها الشخصية وعلاقاتها بالناس، عشان تحصل على ثناء الناس وتقديرهم، غالبًا الشخصية دي بتفكر بأسلوب “إما صفر وإما مائة”، يعني معندهاش وسط، الحياة نجاح أو فشل، أنا كويس أو وحش.. إلخ.
– أو تلاقي حد مهتم بإرضاء الناس ولو على حساب راحته الشخصية أو قناعاته، فميحبش أبدًا حد يزعل منه، وميقدرش يقول “لأ” لحاجة مش عاوز يعملها أو مش هيقدر يعملها.
– وممكن حد يسعى للاهتمام عن طريق إنه يعمل حاجات غلط أخلاقيًا، أو ياخد قرارت مش صح، زي الدخول في علاقات مش شرعية، أو حتى شرعية بس من غير ما تكون مبنية على أساس سليم، وزي السعي للتوقيع بين الناس.. إلخ.
إيه اللي ممكن يخلي شخص يبقى عنده الجوع ده للاهتمام؟
– ممكن تكون الشخصية دي محصلتش على الاهتمام الكافي من الأب والأم في الطفولة. فكانوا الوالدين دايمًا مشغولين بحاجات تانية عن ولادهم، سواء بالوظيفة أو شغل البيت أو الأهل والأصدقاء.. إلخ. فالأب والأم موجودين بجسمهم لكن مش بقلبهم، مش بروحهم.
– العلاقات السطحية بين الأهل والأبناء، الكلام بيدور غالبًا عن المذاكرة والأكل واللبس والحاجات الروتينية دي، لكنه بعيد عن المشاعر والاحتياجات والأمور العميقة دي.
– احتمال كان الطفل مش بيلاقي اهتمام من باباه ومامته غير لما يجيب درجات عالية في المدرسة، أو يعمل كل حاجة مظبوطة، فاتعلم إن دي الطريقة الوحيدة اللي الناس هتقدره بيها، والشخص ده تلاقيه عنده هوس الكمال، ميقبلش من نفسه الغلط أو التقصير، ميقدرش يستمتع بنجاحه، لأنه دايمًا خايف ميقدرش يحافظ على النجاح ده.
– واحتمال كان أهله دايمًا مش واخدين بالهم منه، لكن لما بيغلط بيلاقي كل الأضواء اتسلطت عليه، فقالك طب ومالو، طالما هي دي الطريقة الوحيدة اللي هتخليهم ينتبهولي! صحيح هو اهتمام سلبي (يعني بالعقاب) لكن بالنسباله أحسن من الإهمال والتجاهل. وبعض الدراسات بتقول إن الاحتياج للاهتمام السلبي ممكن يخلق في المستقبل (مع عوامل أخرى) الشخصية الماسوكية اللي بتتلذذ بالألم والإهانة.
– ويمكن الشخصية دي اتربت على التدليل الزيادة، كل طلباتها مجابة، وهي محور الاهتمام في الأسرة، ولما بتخرج للعالم بتلاقيه مختلف عن كده، فبتسعى للحصول على الاهتمام ده بأي طريقة.
قبل ما أتنقل لآخر نقطة أحب أنوّه عن إن النفس البشرية مش ماشية بالمعادلات الرياضية، بمعنى إنه مش اتباع أسلوب معين في التربية هيؤدي حتمًا لنتيجة معينة، لأن الناس ردود أفعالها تجاه نفس الموقف بتختلف حسب عوامل تانية كتير بتتدخل كلها في تشكيل شخصياتنا.
طب نعمل إيه؟
أولًا محتاجين نوعي نفسنا، ونشوف يا ترى إحنا عندنا من السلوكيات اللي بتقول إن عندنا جوع للاهتمام؟ أو يا ترى بنربي ولادنا بطريقة تخلق عندهم الجوع ده؟ وتاني حاجة نفتش عن أسباب ده، مش عشان نحاكم الماضي.. إنما الفكرة إن عدم وعينا بنفسنا وبماضينا بيخلّي الماضي ده يفضل يتحكم في حاضرنا ومستقبلنا، فالواحد يلاقي نفسه بيعمل في حياته بالظبط زي ما أبوه وأمه كانوا بيعملوا معاه، حتى لو كان رافضه، أو يعمل العكس تمامًا، وفي كل حاجة، من غير ما يفكر في أي من الحالتين. وعينا بنفسنا (اللي ماضينا جزء منها) هو اللي هيحررنا من الماضي ويساعدنا إن قراراتنا لحياتنا الجديدة تكون نابعة عن إرادة واختيار حقيقيين.