إعلانات رمضان.. شغف القرب من الناس والحياة اليومية

675

“الإعلان يُشكّل وسيلة اتصال تعتمد على التأثير في فرد أو أكثر، عن طريق استخدام إحدى وسائل الترويج المُتاحة لبناء اتصال بين المُستهلكين والمُنتجات”.

هذا هو تعريف الإعلان القائم على التعريف بمنتج بعينه، واليوم قد يكون الإعلان أداة لأشياء كثيرة وقول ما هو أكثر من التعريف بالسلعة، هو يضعك داخل عالمك تمامًا ويخبرك: “تفاصيل حياتك تهمني وأفعل ذلك من أجل منتجي، وهو كذا”.

 

ماراثون الإعلانات في شهر رمضان يحتمل الكثير من الحكي، ذاك الاهتمام من قِبَل المُعلنين، والانتظار والشغف من المشاهدين، تلك الأفكار التي تعزف على الإنسانيات هذا العام، والمواقف اليومية المستفزة والحلوة، والمعاني الأقرب إلى الحياة منها إلى المصلحة المادية، استخدام الفنانين في الإعلانات بطريقة ما لم يعد هو الطريقة المُثلى في جذب الانتباه للمشاهد الذي قد ينتظر الإعلان من أجل ترك التلفاز للحظات، أصبحت الإعلانات تعزف على تفاصيل الجمال والوجع والواقع في الحياة اليومية.

 

في الماضي كانت الإعلانات تحمل صورًا في شكل ورقي مع الصحف التي كانت تصدر، إعلانات عن الشاي والسيارات والروائح والسجائر والمسكنات العلاجية والمشروبات، وأحيانًا تُستخدم الرسومات الكارتونية فيها أو الفنانين، ومع تطور الأفكار واستخدام الألوان حملت الإعلانات وقتها جُملاً وكلمات بسيطة أشبه بعصرها “الآن أقول لك دخِّني وأنا مطمئن”، “حقًا إنها فاخرة”، “لكي تكوني ساحرة استعملي رائحة صفية زغلول” مع صور للفنانات المصريات بداية من أم كلثوم مرورًا بمديحة يسري ونادية لطفي وسعاد حسني ومريم فخر الدين وبرلنتي عبد الحميد وفاتن حمامة وغيرهن.

 

الإعلانات تتحول بمرور الوقت في بعض الأحيان إلى أرشيف يوثق وقتًا بعينه، ويصل الأمر إلى استخدام أغنيات بعض الإعلانات كتراث تتغنى به بعض الفرق الفنية، من بعض تلك الإعلانات فترة التسعينيات من القرن الماضي، والتي تعتبر فترة انتقالية لحالة مختلفة تمامًا فنيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.

 

في السنوات العشر الأخيرة اقترب الإعلان أكثر من هموم الناس ومشكلاتهم وحواراتهم اليومية المعتادة، حتى شكل الشوارع والملابس والأمور الإنسانية، خصوصًا مع ظهور نجم شركات الاتصال التي تصدرت المشهد والحياة، فكان من الضروري البحث عن شكل جديد للإعلان يمنح الجمهور محبة الإعادة لا الملل منها، وهو ما جعل شركات الاتصال المختلفة وبعض العلامات التجارية العالمية والمحلية تتنافس في شهر رمضان على فكرة جديدة تمنحها أكبر مشاهدة، ويحتفظ المشاهد بالإعلان في عقله، فكان اللعب على الذكريات والأغاني والألحان الجيدة والحياة اليومية هو البطل الرئيسي.

 

رمضان 2018 تتميز إعلاناته بالكثير من تلك السمات السابقة، خصوصًا في الإعلانات التي تحتاج إلى تبرع للمستشفيات والجمعيات الخيرية، وإعلانات الاتصالات، نرصد هنا 8 إعلانات كانت قريبة بشكل كافٍ من الناس، وتُعد بمقاييس الكثيرين نجحت في الوصول للمشاهد والتعليق عليها في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، حتى أنها شدت الانتباه أكثر من إعلانات أخرى اعتادت إحضار الفنانين دون الاهتمام بجوهر الإعلان نفسه، وهو ما ملَّه المشاهد مؤخرًا.

 

إعلان مستشفى بهية
إعلان مستشفى “بهية” لعلاج سرطان الثدي فضَّل أن يدخل في الموضوع ويُعبِّر عن أهمية الأنثى لكل شخص، فأتى برجال وأطفال من أعمار مختلفة لاختصار أهمية المرأة في كلمة أو اثنتين، ومع صدق المتحدثين وعمق الكلمات المطروحة عن المرأة وما تمثله لهم كالزوجة والأم والابنة والأخت والحبيبة، ومن تلك الجمل المؤثرة “من غيرها مفيش حياة، عمرها ما طلبت حاجة، لما بشوفها بتضحك كأن الدنيا كلها ضحكت، صورتها في المحفظة على طول، وأنا في عز الغرقة واقفة جنبي”.

 

إعلان نسكافيه 3*1

– وإنت في جامعة إيه يا حبيبي؟ كمبيوتر؟

– لا يا أونكل أنا برمجة.

– كمبيوتر يا هشام.

– ما أنا بقولك كمبيوتر! إيه العبط ده؟!

 

– يا جوجو لما تخلصي إعلام هتبقى مذيعة مش كده؟

– لا يا طنط أنا إعلام قسم إعلان.
– معلش.

– معلش إيه يا طنط؟ أنا اخترت كده.
– دى بتستعبطنا.

اختيار التخصص هنا هو بطل الإعلان الذي يمس الكثيرين، فهي المشكلة التي يعاني منها البعض، خصوصًا لو التخصص خلاف المشاع عن الكلية. الفكرة تؤكد أن تخصصك قد لا يفهمه البعض كجزء من حلمك، ولذا عليك عدم الانتباه لمن يرفضه.

 

إعلان محجوب للسيراميك

“ده مطبخ لعبة ولا إيه! ألوانه دي مش لايقة عليه، ذوقي مش هو ذوقك ولا ذوقك هو ذوقي.. سيبني بقى براحتي.. خليني آخد مساحتي.. مودرن يعني إيه؟ يومين وتروح عليه…” كلمات إعلان إحدى شركات السيراميك التي لعبت على فكرة هامة تخص الجميع، وهي اختلاف أذواق الناس من شخص إلى آخر، يضع لنا إشارة جيدة تلفت انتباه المشاهدين وتضعهم في صف المنتج، فالبعض يلائمه المودرن والبعض الآخر لا، وهي طبيعة الاختلاف.

 

إعلان شركة بالم هيلز

إحدى شركات العقارات أيضًا طرحت في الأيام الأخيرة من شهر رمضان إعلانًا جديدًا شكلاً ومضمونًا وحتى لغةً، تحت شعار “بداية الأمل لجميع الأشياء الجميلة”، يُقدَّم باللغة الإنجليزية معتمدًا على مشاهد سينمائية بديعة مستوحاة من مجموعة من اللوحات للمصممة مايا الببي، مأخوذة عن عدة أعمال أجنبية لديفيد هوكني، وبيت موندريان، ورينيه مارجريت، وفان جوخ، مما كان له رد فعل كبير بين الجمهور لجمال الصورة وجودة الفكرة ورهافتها مقارنة بالإعلانات الأخرى الموجودة.

 

إعلان مجموعة العربي

أما إعلان “العربي جروب” فجاء عنوان “لولا أنتم ما كنت أنا.. لولا أنتم ما كنت هنا” بمشاركة نماذج مصرية ناجحة في حالة من الامتنان لأسر بعض المشاركين ومعلميهم ومنهم المغنية نسمة محجوب، ورضوى الغمري أول مدربة قفز حر مصرية، والفريق الغنائي “مسار إجباري”، واللاعب محمد إيهاب بطل العالم في رفع الأثقال، ومروة السلحدار أول قبطانة مصرية وعربية، الإعلان لفت انتباه المشاهدين مع أهمية الفكرة ونبل الكلمات، لتأكيد أن كل قصص النجاح يحمل بطلها مشهدًا ما لمن دعموه وساندوه وساعدوا على نجاحه.

 

إعلان مستشفى 500 500

إعلان مستشفى 500500 والذي اقترب أكثر من فكرة الفقد واحتياج البعض إلى إرسال صدقة جارية لفقيدهم، أو التبرع بما هو أكبر من المال من أجل إنشاء جناح في مستشفى للسرطان، جعل الجميع يهتم بالفكرة، خصوصًا حين كان أوج الإعلان شخصًا محبوبًا كالفنان أحمد زكي، الذي لم يتردد الفنانون في المشاركة في الإعلان، كما شاركوا في إنشاء جناح باسمه داخل المستشفى، ولأن الصورة كانت رائعة وتم إحضار كل من اقترب من الفنان الراحل وتعامل معه أو شاركه أعمالاً فنية بعينها، ومع تأثرهم بذكرياتهم مع الفنان الراحل ودموع البعض ومحبة الشخص الراحل في الأساس من الجمهور وهو نجم محبوب، فكان نجاح الإعلان مدويًا، مع إجادة اختيار المطربة شيرين صاحبة الصوت الحنون.

 

إعلان مركز مجدي يعقوب للقلب

“محتاجلك تبقى واقف جنبي.. قلبي أمر بكده ومش ذنبي، أنا شكلي هحبك طول عمري.. مع قلبي أنا مغلوب على أمري.. قلبي ومفتاحه دول ملك إيديك.. وحشته أفراحه بيفكر فيك.. ومسا وصباحه بيسألني عليك، ما هو وإنت بعيد برضو حبيبي بتداوي جراحي إنت طبيبي…”.

الكلمات السابقة كانت أجمل أبطال كلمات إعلانات رمضان 2018 بصوت أطفال معبرين بشكل رائع عن الحالة، وأجادوا توصيل الرسالة من خلال إعلان مؤسسة مجدي يعقوب لبناء مركز أسوان الجديد للقلب، وهي لم تكن المرة الأولى لهم في خلق حالة هادئة من أجل المؤسسة تصل للمشاهد المصري، حتى أن كلمات الأغنية ظل يستخدمها مرتادو الفيسبوك في سياقات مختلفة.

 

إعلان حديد الجارحي

“بيوت الناس مش لعبة” جملة معبرة تمس الكثير من المصريين بالفعل، وجدت داخل حالة ساخرة من المشاهد لمن يقوم بالبناء، في إعلان عن استخدام حديد بعينه. الإعلان بالموسيقى الخاصة به والمشاهد المضحكة المعبرة عن الاستهانة ببناء المنازل واللعب أثناء فعل البناء، جعلت الكثير من المشاهدين ينتبهون للفكرة والإعلان نفسه، وهو نجاح للمنتج المعلن عنه.

 

 

 

المقالة السابقةأقضي رمضان وحدي هذا العام
المقالة القادمة“الرحلة”.. حين تنكشف الأسرار من حولنا هل نُسامِح؟
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا