أتى معرض الكتاب.. فلا تشتروا كتبًا

292

في نفس هذا الموعد من كل عام عندما يقترب معرض الكتاب، أقول لنفسي “السنة دي مش هشتري كتب؛ عندي كتب كتير جايباها من السنة اللي فاتت واللي قبلها واللي قبلها ومقريتهاش، أقراها الأول وبعدين أجيب تاني”. وما إن يبدأ المعرض، وأرى منشورات أصدقائي على Facebook عن المعرض وأخباره والكتب التي اشتروها حتى أضعف وأقول “طب أروح أتفرج” وأنتم تعرفون الباقي.

 

إنني أشعر بالذنب لأن معدل قراءتي أبطأ من معدل شرائي للكتب. أشعر بالذنب لضياع الوقت الذي كان يمكن أن أستزيد فيه من العلم، ولإنفاق المزيد من المال على الكتب ولديّ الكثير لم يُقرَأ، فهذا المال يمكن توجيهه بشكل أكثر حكمة. كما أشعر بالانزعاج لضيق المساحة، فأين سنضع المزيد من الكتب؟! إن كثيرًا من الكتب تُنسى ولا تُرى وسط الزحام، الذي يؤدي في النهاية إلى تقليل استمتاعنا بالقراءة واستفادتنا بكتبنا، لما تتسبب فيه تلك الكثرة الزائدة عن الحد من تشتيت لنا عما نحتاجه فعلاً “أبدأ منين؟ وأقرأ إيه؟” وربما تنتهي بنا الحال إلى العزوف عن القراءة أصلاً.

 

أما عندما أكون في المعرض، فإنني أشعر بنشوة تطغى على أي مشاعر أخرى سلبية، وأي أفكار ومبررات لعدم الشراء. بل على العكس، تتدفق في رأسي المبررات التي تدفعني إلى الشراء، مثل: إنتي كاتبة وأي كتاب هينفعك، إنتي مبتشتريش طول السنة وبتشتري في المعرض بس، حتى الكتب اللي مقريتيهاش هيجيلها وقتها.. إلخ، إلى جانب القرارات الحماسية بأنني سأغير نمط حياتي، وسأقلل وقت الـFacebook، وأزيد من وقت القراءة… إلخ. 

 

نفس هذا السيناريو يتكرر كل عام تقريبًا. فهل الكتب إدمان؟ 

نعم.. تقريبًا.. هناك ما يسمى بهوس الكتب Bibliomania، الذي قد يكون أحد أعراض الوسواس القهري، والذي يتضمن جمع وتخزين الكتب إلى درجة تدمير العلاقات الاجتماعية أو الصحة. يقوم من يعاني من هوس الكتب بجمع الكتب التي ليس لها استخدام أو قيمة بالنسبة له على أمل الاستفادة منها يومًا ما، يقوم بشراء وجمع الكتب بما يفوق قدرته على استخدامها والاستمتاع بها. وقد يصل الأمر بالبعض إلى درجة شراء عدة نسخ من نفس الكتاب، أو طبعات مختلفة منه، أو شراء كتب ذات نوعيات ورق معينة… إلخ. وقد تبدأ هذه الحالة منذ الصغر، وتظهر إشاراتها في صورة شعور بالبهجة والسرور عند مشاهدة أي كتاب، ثم يتحول الأمر إلى الرغبة في اقتناء ومطالعة أي كتاب من أي نوع. وهوس الكتب ليس اضطرابًا نفسيًا معترفًا به من قِبَل الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية DSM-IV.

 

فماذا نفعل إن كنا نعاني من هوس الكتب، ولو بدرجة طفيفة؟ كيف نتحكم في أنفسنا ونشتري فقط ما نحتاجه فعلاً؟ إليكم بعض الاقتراحات: 

– جرد مكتباتنا قبل المعرض لتذكر الكتب الموجودة عندنا وتجديد اشتياقنا لها، فتقل شهوتنا لشراء كتب جديدة. ومن الممكن أيضًا عند جرد المكتبة تحديد الكتب التي قرأناها ولم تعجبنا أو لن نحتاج إلى قراءتها ثانية، ونقوم ببيعها أو التبرع بها أو إهدائها إلى صديق نعلم أنه سيحبها. 

 

– تقليل زياراتنا إلى المعرض، بحيث نذهب فقط لشراء احتياجاتنا (ربما تجربين أيضًا عدم الذهاب من الأساس لأن التحكم في نفسك أمام الكتب صعب، أو الذهاب مع أطفال صغار، وسوف تتوبين عن زيارة المعرض إلى الأبد).

 

– إعداد قائمة بالكتب التي نحتاجها فورًا، أي التي سنبدأ في قراءتها مباشرة بعد الشراء، ونشتري هذه الكتب فقط.

 

– لأن عدم الذهاب أو عدم الشراء تمامًا قد يكون صعبًا، فمن الممكن تخصيص مبلغ معين لشراء الكتب أو تحديد عدد قليل من الكتب يمكننا شراؤه.

 

– تصوير أغلفة باقي الكتب التي تعجبنا لشرائها فيما بعد.

 

– الذهاب إلى المعرض بمبلغ قليل حتى نُجبِر أنفسنا على وضع حدود لنا في الشراء.

 

أظن أن الإسراف في شراء الكتب بشكل يفوق قدراتنا القرائية والمالية والمكانية هو أحد وسائل الهروب من مشكلاتنا، كما يشوب علاقتنا بالعلم بحب الاقتناء. إن أرواحنا وعقولنا بحاجة إلى براح لتستوعب وتشعر وتبدع، كما أن معدتنا بحاجة إلى عدم ملئها عن آخرها لتهضم، وكما أن بيوتنا بحاجة إلى فراغات ليظهر جمالها. لهذا فلنتريث في شراء الكتب هذا العام، ولنكن صادقين مع أنفسنا: هل نحب القراءة أم نعشق اقتناء الكتب؟

المقالة السابقةكيف تتحولين لقطة شيرازي في 8 أشهر
المقالة القادمة5 أعوام أمومة بين الحلو والمر

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا