حفلة خصوصي

472

 

كتبته: آن سامي

 

زمان كنت بحب جدًا أحتفل مع اللي بحبهم بليلة رأس السنة. بالنسبة لي كانت ليلة أهم من العيد. ماكانش بيفرق معايا لو ورايا امتحانات أو الجو برد قوي. كنت لازم أرتب لها كويس وأهتم بكل التفاصيل. سر اهتمامي بيها أني كنت بأشوفها ليلة فاصلة بين قديم وجديد، أندم على اللي ماتعملش خلال السنة اللي فاتت، وأحط وعود وأهداف للسنة الجديدة يمكن تظبط السنة دي؟! وبمرور الوقت تحولت للنقيض. ماكنتش وقتها عارفة ده نضج، ولا وَخَم اكتئاب؛ بس لقيت أني بأخاف من احتفالات رأس السنة!

زي ما تكون الوعود القديمة اللي ماعملتش منها حاجة هتيجي ليلة رأس السنة تعاتبني، وتبصلي بسخرية وتهكم، وأنا بأحطّ وعود جديدة هتشرَّف جنبها -تقريبا- في آخر السنة  الجديدة اللي بعدها!

بقيت مش بس بأخاف، لكن زهقت من إحساس أني أتبسط وأتشحن ساعتين، وأرجع مافيش فيا حاجة متغيرة! كأن الاحتفال مُخدِّر عن الواقع اللي أنا فيه. وكنت لمَّا أشتكي من كده كانوا يتِّهموني بأني عدوة الفرحة “ما تتبسطي. حد لاقي انبساط!”. بس أنا لقيت إن ده ما بيبسطنيش! أنا جايه أحتفل بايه؟ أنا عايزة الحقيقة أحتفل، بس للأسف مش لاقية حاجة تخليني أتبسط فأحتفل! مش لاقية حاجة تضمن لي إنّ زي ما السنين بتعدي، أنا كمان بأتحرك لقُدَّام. مش مجرد عمر بيخلص وخلاص!

الأفكار والمشاعر دي ماكانتش جاية من فراغ. هي ممكن تكون مُركَّزة ليلة رأس السنة، لكنها -في حقيقة الأمر- كانت ملازماني معظم أيام السنة. وعلشان كده قررت أبطَّل أحتفل برأس السنة، فضَّلت أني أقعد ماعملش ولا حاجة، عن أني احتفل احتفال مزيف بيداري على فشل ماكنتش لاقية له حل! بس الغريبة في الموضوع أني لما بطَّلت أعمل حاجة مش حقيقية -حتى إنْ كنت مش بأعمل حاجة مكانها- ابتدت عيني تشوف سكة تانية، وماقدرش أخبِّي أنها كانت فتحة الخير عليَّ!

  •       سكة تانية “سكة دعم النفس”

تقديري المتدنِّي لنفسي كان بيخلي عيني ماتشوفش غير اللي ما باعملوش. مقارنة بسيطة غير موضوعية بيني وبين أيّ حد من اللي حواليا كانت بتخليني بسهولة أحكم على نفسي أني فاشلة! بس ده مش حقيقي؛ لأنه أكيد فيه حاجات أنا أنجزتها. وعلشان أدعم نفسي ابتديت -بالعافية- أعوِّد عيني تشوف اللي بيتعمل. الموضوع ماكانش سهل وتلقائي خصوصًا أن ظروفي في الفترة اللي ابتديت أطبّق فيها ده كانت بتجبرني أقضّي معظم يومي في البيت في روتين خانق. كانت محاولة العثور على إنجازاتي زي البحث عن إبرة وسط كومة من القش. ليالي ظهري اتقطم فيها وأنا ماشية بأدوَّر: يا ترى أنا عملت ايه كويس النهارده؟

وعلى قد ما العملية دي كانت مرهقة، لكن السما مكانتش بتبخل عليَّ بدعم الأحباء اللي فاهمين صراعي الشخصي، وبيحاولوا يساعدوني فيه بأنهم يلفتوا نظري لحاجات كويسة عملتها أنا مكانتش واخدة بالي منها!

وشوية شوية، ابتديت أعرف أشوف إنجازاتي. بس وقعت في مشكلة تاني؛ أني ما بأعرفش أتبسط باللي عملته إلا لما أشاركه مع حد! والموضوع ده فيه ميزة وعيب، الميزة زي ما بيقول المثل أن الفرح لما بيتقسم بيزيد، بس العيب أنه مش دايمًا بلاقي الحد اللي ممكن أشاركه، ولو لقيته فمش شرط يشوف زيي الشيء اللي أنا شايفاه يستاهل الاحتفال!

  •       السكة فردية متفردة

بقيت بأشوف أن فكرة أني أستنى التأييد من برَّا على “يا ترى ده إنجاز يستحق الاحتفال ولا لأ؟”؛ هي فكرة فيها اعتمادية مريضة، لأن الوحيد اللي عارف أنا تعبت قد ايه، وتحركت من فين لفين هو أنا!

فَلِيه أحطّ التقييم في يد حد برَّايا؟ وأضمن منين أن تقييمه ليَّ موضوعي ومراعي فيه كل تفاصيل مجهودي وتعبي؟ .. الإنجاز شخصي، والرحلة فردية متفردة، ووقفات الاحتفال فيها حق ومتعة وشحن علشان أعرف أكمل الطريق .. طريقي!

  •       حق ومتعة وشحن

الاحتفال حق، حقي على نفسي لأن في مجهود بُذل -سواء وصلت ولا لسه-، لكن فيه حركة اتعملت. ويا عالم الحركة دي تطلَّبت منّي طاقة قد ايه علشان تتم!

الاحتفال متعة، متعة أنك تتعلم تسمع تصفيق وبرافو جاية من جواك، وترفع إيدك تحيي الجمهور اللي هو أنت برضه! الكلام يبان جنان، بس في حقيقة الأمر أن كل واحد في الدنيا دي فيه اللي مكفِّيه. وإذا عشت مستني التصفيق يجيلي من برَّا هأكون براهن رهان -في الاغلب- خسران، وبأتغافل عن لحظات كثيرة تستحق الاحتفال بنفسي ولنفسي!

الاحتفال شحن، انبساطك بنفسك ولنفسك هو البنزين اللي هيخليك تكمل. التقدير والسعادة اللي بتيجي منه هو طاقة الشحن للنفس البشرية. الطريق طويل بطُول سنين العمر، وبديهي هنفصل ونحتاج نشحن. ووقوفنا كل شوية وقفة تقدير للسكة اللي مشيناها، للطاقة اللي بذلناها، حتى لو لسه فاضل كثير هتخلينا نوصل، نوصل وبسمة الامتنان والرضا على قلوبنا.

وأخيرًا، بتمنى لك سنة تعرف تفرح فيها بأبسط إنجازاتك، وكل سنة وأنت طيب، طيب وحنين على نفسك زي ما أنت طيب مع غيرك، كل سنة وأنت مستمتع بالسكة وعارف تنبسط بيك.

 

المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب

المقالة السابقةاحتفال كل يوم
المقالة القادمةحسب التوقيت المحلِّي

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا